بهذا الاعتبار الذي زعموه، أي: يكون معه لا يتقدم المؤثر على أثره بالزمان، يوجب أن لا يحدث في العالم شيء، وهو خلاف المشاهدة، فقد قالوا بما يخالف الحس والعقل وأخبار الأنبياء. وقولهم بأن المؤثر التام الأزلي يستلزم أثره
وهذه هي طرق العلم.
وإذن، كان الممتنع إنما هو جواز التسلسل في أصل التأثير، والتسلسل المقارن مطلقا.
وأما التسلسل في الآثار شيئا بعد شيء فهم مصرحون به: معترفون بجوازه. [ ص: 370 ]
وقدم العالم ليس لازما مستلزما لجواز التسلسل.
وإنما خصوا به المعتزلة ومن اتبعهم من الكلابية وغيرهم، الذين وافقوهم على نفي الأفعال القائمة به، أو نفي الصفات والأفعال، فقالوا لهم: أنتم قدرتم في الأزل ذاتا معطلة عن الفعل، فيمتنع أن يحدث عنها شيء لأنه يستلزم الترجيح بلا مرجح.
فالطريق الذي به ينقطع هؤلاء الفلاسفة أن يقال: إن كان التسلسل في الآثار شيئا بعد شيء ممتنعا بطلت الحجة، وإن كان جائزا أمكن أن يكون حدوث كل شيء من العالم مبنيا على حوادث قبله، إما معان حادثة شيئا بعد شيء في غير ذات الله تعالى، وإما أمور قائمة بذات الله تعالى، كما يقوله أهل الحديث وأهل الإثبات، الذين يقولون: لم يزل متكلما إذا شاء، فعالا لما يشاء، وإما غير ذلك، كما قاله وغيره. الأرموي
وبالجملة: فالتقديرات في تسلسل الحوادث متعددة ، ومهما قدر منها كان أسهل من القول بأن السماوات والأرض أزلية، وأن الله لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وهؤلاء الفلاسفة إنما يبحثون بمجرد عقولهم، فليس في العقل ما يوجب ترجيح قدم الأفلاك على سائر التقديرات، ومن يقر بالسمع ـ كمن يقر بالشرائع منهم ـ فأي تقدير قدره كان أقرب إلى الشرع من قولهم بقدم الأفلاك. [ ص: 371 ]