فإن قلتم: نزاعنا في شيء آخر، وهو أن يسمى جسما: هل هو مركب من الجواهر المفردة؟ أو من المادة والصورة؟ أم هو واحد لا تركيب فيه؟ فمن قال بالأول لم يجز أن يسميه جسما. ومن قال بالثاني سماه جسما.
قيل: هذا نزاع لا يتعلق بالدين، فإن اللفظ إنما يكون البحث عن [ ص: 313 ] معناه من الدين الواجب إذا جاء في الكتاب والسنة وكلام أهل الإجماع.
فإن معرفة مراد الله ومراد رسوله ومراد أهل الإجماع واجب؛ لأن قول الله ورسوله وقول أهل الإجماع قول معصوم عن الخطأ يجب اتباعه.
فاللفظ الوارد في ذلك إن لم يعرف معناه لم يعرف ما أرادوا، ولهذا كان الواجب أن كل لفظ جاء في كلام المعصوم وجب علينا التصديق به، وإن لم يعرف معناه.
وما جاء في كلام غير المعصوم لم يجب علينا إثباته ولا نفيه حتى يعرف معناه.
فإن كان مما أثبته المعصوم أثبتناه، وإن كان مما نفاه نفيناه.
ولفظ الجسم في حق الله، وفي الأدلة الدالة عليه، لم يرد في كتاب الله، ولا سنة رسوله، ولا كلام أحد من السلف والأئمة.
فما منهم أحد قال: إن الله جسم، أو جوهر، أو ليس بجسم ولا جوهر. ولا قال: إنه لا يعرف إلا بطريقة الأجسام والأعراض، بل ولا استدل أحد منهم على معرفة الله بشيء من هذه الطرق: لا طريقة التركيب ولا طريقة الأعراض والحوادث، ولا طريقة الاختصاص.
وإذا كان كذلك، فالمتنازعون في مسمى الجسم، متنازعون في أمر ليس من الدين: لا من أحكامه، ولا دلائله. وهكذا نزاعهم في مسمى العرض، وأمثال ذلك.
بخلاف نزاعهم في إثبات المعنى المراد بلفظ الجسم ونفيه. فإن هذا يتعلق بالدين، فما كان من الدين فقد بينه الله في كتابه وسنة رسوله، بخلاف ما لم يكن كذلك.