ولفظ المعلول مجمل، فإنهم يوهمون أنه يكون مفعولا لها، وهي علة فاعلة له. ومعلوم أن هذا ممتنع في الوجود الواجب، لكن الحقيقة الواجبة إذا قدر أن لها وجودا يقوم بها، لم يلزم في ذلك الوجود إلا أن يكون له محل، وهو الحقيقة التي يقوم بها الوجود، وذلك الذي يسمونه العلة القابلة.
ومعلوم أن الدليل إنما أثبت موجودا ليس له موجد، لم يثبت دليلهم موجودا لا يكون وجوده قائما بحقيقة، إن كان من الوجود ما هو قائم بحقيقة. وهذا على قول من يقول: وجود كل شيء زائد على حقيقته، كما يقول ذلك طائفة من متكلمي المعتزلة وغيرهم، وإلا أهل السنة والجماعة أن وجود كل شيء -وهو الوجود الذي في الخارج- هو عين حقيقته الموجودة في الخارج، فكل موجود فله حقيقة مختصة به في الخارج عن الذهن، والوجود الذي يشار إليه في الخارج هو تلك الحقيقة نفسها، لا وجود آخر قائم بها. [ ص: 257 ] فالصواب عند
فإذا قال أهل السنة: إن وجود الخالق عين حقيقته، أرادوا به إبطال قول أبي هاشم ومن وافقه من المعتزلة، ولم يريدوا بذلك قول وإخوانه من الفلاسفة: إن الواجب وجود مطلق بشرط الإطلاق، أو مطلق لا بشرط، فإن هذا القول أعظم فسادا من قول ابن سينا أبي هاشم بكثير.
بل هذا القول يعلم من تصوره بصريح العقل أن ما ذكروه يكون في الأذهان لا في الأعيان. والمطلق بشرط الإطلاق قد سلموا في منطقهم أنه لا يكون إلا في الأذهان، والمطلق لا بشرط يسلمون أنه لا يوجد في الخارج مجردا عن الأعيان.
وقد تقدم ما ذكره هو من أنه ألزم الأشعرية أن يكونوا مجسمة، والحنابلة فيهم ما في بقية الطوائف، منهم من هو على طريقة وأمثاله من الأئمة، لا يطلقون هذا اللفظ على الله لا نفيا ولا إثباتا، بل يقولون: إن إثباته بدعة، كما أن نفيه بدعة. الإمام أحمد