قال: وإذ قد تقرر من هذه المناهج التي سلكها الشرع في تعليم الناس: أولا: والطرق التي سلكها في نفي الشريك عنه ثانيا، والتي سلكها ثالثا في معرفة صفاته، والقدر الذي صرح به من ذلك في جنس جنس من هذه الأجناس، وهو القدر الذي إذا زيد فيه أو نقص أو حرف أو أول، لم تحصل به السعادة المشتركة للجميع، فقد بقي علينا أن نعرف أية الطرق التي سلكها بالناس في تنزيه الخالق سبحانه عن النقائص، ومقدار ما صرح به من ذلك، والسبب الذي من قبله اقتصر بهم على ذلك المقدار. وجود الباري سبحانه،
ثم نذكر بعد ذلك الطرق التي سلك بالناس في معرفة [ ص: 244 ] أفعاله، والقدر الذي سلك بهم من ذلك، فإذا تم لنا ذلك فقد استوفينا غرضنا الذي قصدناه.
قال: فنقول: أما معرفة هذا الجنس الذي هو التنزيه والتقديس، فقد صرح به أيضا في غير ما آية من الكتاب العزيز، فأبينها في ذلك وأتمها قوله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى: 11]، وقوله: أفمن يخلق كمن لا يخلق [النحل: 17].
والآية الأولى هي نتيجة هذه والثانية برهان، أعني أن قوله تعالى: أفمن يخلق كمن لا يخلق [النحل: 17]، هو برهان قوله: ليس كمثله شيء وذلك أنه من المغروز في فطر الجميع أن الخالق يجب أن يكون: إما على غير صفة الذي لا يخلق شيئا، أو على صفة غير شبيهة بصفة الذي لا يخلق شيئا، وإلا كان من يخلق ليس [ ص: 245 ] بخالق، فإذا أضيف إلى هذا الأصل أن المخلوق ليس بخالق يلزم من ذلك أن تكون صفات المخلوق: إما منتفية عن الخالق، أو موجودة فيه على غير الجهة التي هي عليها في المخلوق.
قلت: صفات النقص يجب تنزيهه عنها مطلقا، وصفات الكمال تثبت له على وجه لا يماثله فيها مخلوق.
قال: وإنما قلنا على غير الجهة؛ لأن من الصفات التي في الخالق صفات استدللنا على وجودها بالصفات التي هي لأشرف المخلوقات هنا، وهو الإنسان، مثل إثبات العلم والحياة والقدرة والإرادة والكلام وغير ذلك.
قال: وهذا معنى قوله عليه السلام: إن الله خلق آدم على صورته.
قال: وإذا تقرر أن الشرع قد صرح بنفس المماثلة بين الخالق والمخلوق، وصرح بالبرهان الموجب لذلك، وكان نفي المماثلة يفهم منه [ ص: 246 ] شيئان: أحدهما: أن يعدم الخالق كثيرا من صفات المخلوق، والثاني: أن توجد فيه صفات المخلوق على وجه أتم وأفضل بما لا يتناهى في العقل، فلينظر ما صرح به الشرع من هذين الصنفين، وما سكت عنه، وما السبب الحكمي في سكوته.