[ ص: 95 ] وإذا قالوا: إنه يعلم معلوله، ويعلم نفسه، لزم أن يكون هذا العلم ليس هذا العلم.
وأما فقد رده بأمور: قولهم: إن علمه بالمعلول يندرج في علمه بالعلة،
أحدها: أن العلم عندهم سلبي، وكذلك التجرد عن المادة، وكذلك عدم الغيبة. والسلب لا يتضمن العلم بالأشياء، وهذا الذي قاله صحيح، مع ما تقدم من أن ذلك السبب ليس هو علما، فلا هو علم، ولا متضمن لعلم.
وإذا قدر أن ذلك السلب علم، كان تقديرا باطلا. وحينئذ فهل يقال: إنه يتضمن غيره من السلوب. هذا مما قد ينازعونه فيه. ولكن له أن يقول: إن السلب إنما يتضمن غيره إذا كان أعم منه. وليس هنا سلب عام ليتضمن سلبا خاصا، بل السلب عندهم نفي معنى زائد على نفسه، أو نفي المادة عنه، أو نفي الغيبة عنه، وكل هذا سلب خاص لا يتضمن سلبا عاما.
الأمر الثاني: أنه قد بين لهم أن المندرج في غيره هو ما يدل عليه بالتضمن لا بالالتزام، فالدال على غيره بالالتزام لا بالتضمن لا يكون مشتملا عليه، ولا يكون الثاني مندرجا فيه. ومثل ذلك اللوازم الخارجة عن الماهية على أصلهم، كالضاحكية. فإن الإنسانية ما انطوت على الضاحكية ولا انطوى علم الضاحكية في علم الإنسانية، فإنها ما دلت عليها مطابقة ولا تضمنا، بل دلالة [ ص: 96 ] خارجية، فإن هذه اللوازم التي احتجنا في العلم بها إلى صورة أخرى، إنما هي معلومة لنا بالقوة لا بالفعل.
فإذا جعلوا علمه بمفعولاته كذلك، لزم أن يكون عالما بها بالقوة لا بالفعل. وهم قد يضربون لقولهم مثالا، وهو العلم بالأشياء جملة، مع العلم بها تفصيلا، فإن العلم بالمفصل يندرج في العلم بالمجمل.
وإن كان العلم بالمجمل متضمن تلك التفاصيل، وشبهوا ذلك بمن سئل عن مسائل، فقد يستحضر العلم بجوابها مفصلا، وقد يجد من نفسه علما بجوابها مجملا، لم يستحضر العلم بجوابها مفصلا، وقد يجل من نفسه علما بجوابها مجملا، لم يستحضر تفصيله فيما بعد، فأجاب بأن هذا علم بالقوة، والقوة مراتب، فهو بعد السؤال حصل له من القوة على الجواب، أعظم مما كان حاصلا قبله. وأما العلم بجواب كل مسألة بخصوصها، فلا يحصل إن لم يكن عنده صورة العلم بجواب كل واحدة.