فيقال: كلا المقدمتين ممنوع، فلا نسلم أنه ولا نسلم أنه إذا كان كذلك لا يحتاج في إدراك ما يصدر عنه إلى صورة غير صورة الصادرة عنه. لا يحتاج في إدراك ذاته إلى صورة غير صورة ذاته،
والمقدمة الأولى له فيها سلف، وعليها بنى طائفة من الفلاسفة المتقدمين والمتأخرين، المقتول، كلامهم في مسألة [ ص: 47 ] العلم، وإن كان جماهير العقلاء من بني آدم يقولون: إن فساد هذا معلوم بالضرورة. كالسهروردي
حتى قال الرازي: وأعلم أنه لولا ولوع الناس بكل كلام هائل لا يخلصون حقيقته، لما احتيج إلى الكلام على قولهم: إن الشيء الأحدي الذات عقل وعاقل ومعقول، من غير تعدد صفاته. وأما هذه الثانية فما علمت له فيها سلفا.
فنقول في الأولى التي ذهب إليها بعض سلفه، لم قلت: إن العالم إذا علم نفسه، لم يكن علمه بنفسه إلا مجرد نفسه؟ وما الدليل على ذلك؟ وهل هذه إلا مجرد الدعوى؟
ثم إنها دعوى معلومة الفساد بالضرورة وبالأدلة، فإن الإنسان حاله قبل أن يعرف نفسه، خلاف حاله إذا عرفها: يعلم أنه حصل له علم لم يكن، مع أن نفسه لم تزل، ويعلم أنه إذا قال: علمت نفسي، كان في هذا قدر زائد على قوله: كانت نفسي.
وإذا قال: علمي بنفسي موجود، علم أن هذا زائد على قوله: نفسي موجودة.
وقوله: علمت نفسي، كقوله: أحببت نفسي، وظلمت نفسي، ورأيت نفسي، فهل يكون حبه لها وظلمه لها ورؤيته لها هو ذاتها؟!