وبالجملة فجميع الأشياء العرية عن الهيولى، فمعنى العقل والمعقول فيها واحد.
قلت: وقد صنف أبو البركات مقالة في العلم ذكر فيها نحو ما ذكره في المعتبر وقال: هذا القول هو الذي نقل عن أرسطوطاليس في مقالة اللام من كتابه المعروف بـ «ما بعد الطبيعة»، وقد تداولته العقلاء، وتصرفت فيه العقول، وأكثر فيه المفسرون.
والغرض منه ظاهر، وهو إجلال المبدأ الأول عن أن يكون له كمال بغيره، فيكون بذاته ناقصا بالقياس إلى ذلك الكمال، وتكون له غيرية بإدراك الأبصار، وتغير بإدراك المتغيرات، وتعب باتصال إدراكها وازدحامها، وخروجه من القوة إلى الفعل فيفعلها.
قال: (وإذا كان هذا مفهوم الكلام قد لاح عن كثب، فلا حاجة إلى التطويل. وهذا قول إذا تتبع بطريقة النظر المحض، لم يثبت له قدم فيه) وساق كلامه عليه.
قال أبو البركات في المعتبر: وقد كان أرسطو قال قبل هذا ما قصد به أن ينفي عنه أن تتجدد له الأحوال، ويمنع به تغيره من حال إلى حال، حتى يحكم بذلك في العلوم والمعارف.
قال: وليس يمكن في العلة الأولى أن تنفعل، وجميع هذه هي [ ص: 407 ] حركات توجد بآخرة بعد الحركة المكانية، وجميع هذه هي بينة على هيئة على هذه الصفة.
ثم ذكر عبارة في هذه المسألة كما سنذكره. ابن سينا
وكلام أرسطو فيه أربعة أمور:
أحدها: أن العلم بالغير يوجب كونه كاملا بغيره، فأن لا يبصر بعض الأشياء أولى من أن يبصرها.
الثاني: أن علمه بالمتغيرات يوجب تعبه وكلاله.
الثالث: أن هذا نوع من الحركة يستلزم تقدم الحركة المكانية.
الرابع: أن علمه الأشياء نوع حركة يوجب كثرة العلوم، فيكون هو لها كالهيولى للصورة.
ومدار الحجج على أن العلم يوجب الكثرة والتغير والاستكمال بالمعلوم.
قال أبو البركات: الفصل الخامس عشر: في اعتبار الحجج المنقولة عن أرسطوطاليس: أما قول أرسطو بأن تعقله للغير كمال يوجب له نقصا باعتبار لا كونه، فيرد بأن يقال فيه على طريق الجدال الذي يلزمه الإذعان له، وهو أن يقال: إنك تعرفه مبدأ أولا، وخالق [ ص: 408 ] الكل، فنقول في خلقه مثلما قلت في تعقله.