فالعقل والعلم والنظر والاستدلال، والافتكار والاعتبار، يكشف عن معرفة المزيد التي يتفاوت فيها العبيد، فمن جعل حكم معرفة في أخرى فقد غلط غاية الغلط، وأوبقه الجهل، ورماه في بحر الحيرة ونقض الآثار، إذ قد ورد في بعضها أنه عرف بنفسه، وفي بعضها بالعلم، وفي بعضها بالعقل، وغير ذلك.
فدل على أن كل معرفة لها حكم ومصدر، ومقام وحال، فللكل معرفة الوحدانية والربوبية، وليس للكل معرفة التوحيد.
وإذا عمت معرفة التوحيد المسلمين، فليس لكل المسلمين معرفة [ ص: 515 ] المزيد، وإذا زعم الخصم أن المعارف المتقدمة وجبت - أي حصلت - بالنظر والاستدلال - فذلك مكابر معاند.
فإن احتج بقوله تعالى عن الخليل: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا [سورة الأنعام:76]، إلى قوله: إني بريء مما تشركون [سورة الأنعام:78]، فتلك حجة على الخصم لا له، لأنه لو عرف بالنظر والاستدلال لما صح له أن يقول: إني بريء مما تشركون ولم يحكم النظر والاستدلال، ولا يقول: إني بريء مما تشركون وإني وجهت وجهي، إلا عارف بربه.