وأما من قول من يقول: ولدوا على فطرة الإسلام، أو على الإقرار بالصانع، وإن لم يكن ذلك وحده أيمانا، أو على المعرفة الأولى يوم أخذ الميثاق عليهم - فهذه الثلاثة لا منافاة بينها، بل يحصل بها المقصود.
nindex.php?page=treesubj&link=29619_28644_31852والكتاب - والسنة - دل على ما اتفقت عليه من كون الخلق مفطورين على دين الله، الذي هو معرفة الله والإقرار به، بمعنى أن ذلك موجب فطرتهم، وبمقتضاها يجب حصوله فيها، إذا لم يحصل ما يعوقها، فحصوله فيها لا يقف على وجود شرط، بل على انتفاء مانع.
ولهذا لم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- لموجب الفطرة شرطا، بل ذكر ما يمنع موجبها، حيث قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=688232« كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» ، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [سورة الروم:30-32]، فأخبر أن المشركين مفترقون.
ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح:
nindex.php?page=hadith&LINKID=689289« إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه لا تشركوه به شيئا، وأنت تعتصموا بحبل الله جميعا [ ص: 455 ] ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» .
وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه [سورة الشورى:13]. وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين [سورة البقرة:13].
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون [سورة المؤمنون:51-53].
وأصل الدين الذي فطر الله عليه عباده، كما قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=909527خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. فهو يجمع أصلين:
أحدهما:
nindex.php?page=treesubj&link=28683_29429عبادة الله وحده لا شريك له، وإنما يعبد بما أحبه وأمر به، وهذا هو المقصود الذي خلق الله له الخلق، وضده الشرك والبدع.
والثاني: حل الطيبات التي يستعان لها على المقصود، وهو الوسيلة. وضدها تحريم الحلال. والأول كثير في النصارى، والثاني - وهو تحريم الطيبات - كثير في اليهود، وهما جميعا في المشركين.
[ ص: 456 ]
ولهذا ذم الله تعالى المشركين على هذين النوعين في غير موضع من كتابه، كسورة الأنعام والأعراف، يذكر فيها ذمهم على ما حرموه من المطاعم والملابس وغير ذلك، وذمهم على ما ابتدعوه من العبادات التي لم يشرعها الله تعالى.
وفي الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=930458« أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» ، فنعبده وحده بفعل ما أحبه، ونستعين على ذلك بما أحله.
كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم [سورة المؤمنون:51].
وهذا هو الدين الذي فطر الله عليه خلقه، فإنه محبوب لكل أحد، فإنه يتضمن الأمر بالمعروف الذي تحبه القلوب، والنهي عن المنكر الذي تبغضه، وتحليل الطيبات النافعة، وتحريم الخبائث الضارة.
وَأَمَّا مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: وُلِدُوا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصَّانِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَحْدَهُ أَيْمَانًا، أَوْ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْأُولَى يَوْمَ أُخِذَ الْمِيثَاقُ عَلَيْهِمْ - فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، بَلْ يَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ.
nindex.php?page=treesubj&link=29619_28644_31852وَالْكِتَابُ - وَالسُّنَّةُ - دَلَّ عَلَى مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْخَلْقِ مَفْطُورِينَ عَلَى دِينِ اللَّهِ، الَّذِي هُوَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ، بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ مُوجَبُ فِطْرَتِهِمْ، وَبِمُقْتَضَاهَا يَجِبُ حُصُولُهُ فِيهَا، إِذَا لَمْ يَحْصُلُ مَا يَعُوقُهَا، فَحُصُولُهُ فِيهَا لَا يَقِفُ عَلَى وُجُودِ شَرْطٍ، بَلْ عَلَى انْتِفَاءِ مَانِعٍ.
وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُوجَبِ الْفِطْرَةِ شَرْطًا، بَلْ ذَكَرَ مَا يَمْنَعُ مُوجَبَهَا، حَيْثُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=688232« كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسَ لا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=32مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [سُورَةِ الرُّومِ:30-32]، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مُفْتَرِقُونَ.
وَلِهَذَا قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=689289« إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ لَا تُشْرِكُوهُ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْتَ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [ ص: 455 ] وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ» .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينِ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [سُورَةِ الشُّورَى:13]. وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [سُورَةِ الْبَقَرَةِ:13].
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ:51-53].
وَأَصْلُ الدِّينِ الَّذِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ، كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=909527خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ، فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا. فَهُوَ يَجْمَعُ أَصْلَيْنِ:
أَحَدَهُمَا:
nindex.php?page=treesubj&link=28683_29429عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِنَّمَا يُعْبَدُ بِمَا أَحَبَّهُ وَأَمَرَ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْخَلْقَ، وَضِدُّهُ الشَّرَكُ وَالْبِدَعُ.
وَالثَّانِي: حِلُّ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي يُسْتَعَانُ لَهَا عَلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْوَسِيلَةُ. وَضِدُّهَا تَحْرِيمُ الْحَلَالِ. وَالْأَوَّلُ كَثِيرٌ فِي النَّصَارَى، وَالثَّانِي - وَهُوَ تَحْرِيمُ الطَّيِّبَاتِ - كَثِيرٌ فِي الْيَهُودِ، وَهُمَا جَمِيعًا فِي الْمُشْرِكِينَ.
[ ص: 456 ]
وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْرِكِينَ عَلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَسُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ، يَذْكُرُ فِيهَا ذَمَّهُمْ عَلَى مَا حَرَّمُوهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَذَمَّهُمْ عَلَى مَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَمْ يُشَرِّعْهَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي الْحَدِيثِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=930458« أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» ، فَنَعْبُدُهُ وَحْدَهُ بِفِعْلٍ مَا أَحَبَّهُ، وَنَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَحَلَّهُ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ:51].
وَهَذَا هُوَ الدِّينُ الَّذِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَلْقَهُ، فَإِنَّهُ مَحْبُوبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي تُحِبُّهُ الْقُلُوبُ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي تُبْغِضُهُ، وَتَحْلِيلَ الطَّيِّبَاتِ النَّافِعَةِ، وَتَحْرِيمَ الْخَبَائِثِ الضَّارَّةِ.