ومن عارضكم من المثبتة أهل الكلام من المرجئة وغيرهم كالكرامية والهشامية، وقال لكم: «فليكن هذا لازما للرؤية، وليكن هو جسما» أو قال لكم: «أنا أقول إنه جسم» وناظركم على ذلك بالمعقول، وأثبته بالمعقول كما نفيتموه بالمعقول، لم يكن لكم أن تقولوا له: «أنت مبتدع في إثبات الجسم» فإنه يقول لكم: «وأنتم مبتدعون في نفيه»، فالبدعة في نفيه كالبدعة في إثباته، وإن لم تكن أعظم، بل النافي أحق بالبدعة من المثبت، لأن المثبت أثبت ما أثبتته النصوص، وذكر هذا معاضدة للنصوص، وتأييدا لها، وموافقة لها، وردا على من خالف موجبها.
فإن قدر أنه ابتدع في ذلك كانت بدعته أخف من بدعة من نفى ذلك نفيا عارض به النصوص، ودفع موجبها، ومقتضاها، فإن ما خالف النصوص فهو بدعة باتفاق المسلمين، وما لم يعلم أنه خالفها فقد يسمى بدعة. [ ص: 249 ]
قال رضي الله تعالى عنه: البدعة بدعتان: بدعة خالفت كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الشافعي وبدعة لم تخالف شيئا من ذلك، فهذه قد تكون حسنة، لقول عمر: «نعمت البدعة هذه». بدعة ضلالة،
هذا الكلام أو نحوه رواه بإسناده الصحيح في المدخل. البيهقي
ومن المعلوم أن قول نفاة الرؤية والصفات والعلو على العرش والقائلين بأن الله لم يتكلم، بل خلق كلاما في غيره، ونفيهم ذلك لأن إثبات ذلك تجسيم، هو إلى مخالفة الكتاب والسنة والإجماع السلفي والآثار أقرب من قول من أثبت ذلك، وقال ـ مع ذلك ـ ألفاظا يقول: إنها توافق معنى الكتاب والسنة، لا سيما والنفاة متفقون على أن ظواهر النصوص تجسيم عندهم، وليس عندهم بالنفي نص، فهم معترفون بأن قولهم هو البدعة، وقول منازعهم أقرب إلى السنة.
ومما يوضح هذا أن الجهمية النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضا، وذلك في كلامهم أقل بكثير من ذم السلف والأئمة كثر كلامهم في ذم الجهمية، لأن وأما ذكر التجسيم وذم المجسمة فهو لا يعرف في كلام أحد من السلف والأئمة، كما لا يعرف في كلامهم أيضا القول بأن الله جسم، أو ليس بجسم، بل ذكروا في كلامهم الذي أنكروه على مرض التعطيل أعظم من مرض التشبيه، الجهمية نفي الجسم، كما ذكره في كتاب الرد على أحمد الجهمية: ولما ناظر برغوث وألزمه بأنه جسم، امتنع من موافقته على النفي والإثبات، وقال: هو أحد صمد، لم يلد ولم يولد، لم يكن له كفوا أحد. [ ص: 250 ] أحمد