ثم يقال له: إن كان هذا حقا، لم يذكر في "اللمع" دليلا على ذلك، بل جعل ذلك مسلما، وإنما أثبت حدوث الإنسان وأنه [ ص: 309 ] لم يحدث نفسه. فالأشعري
ثم قال: (فدل ما وصفناه على أنه ليس هو الذي نقل نفسه في هذه الأحوال، وأن له ناقلا نقله من حال إلى حال، ودبره على ما هو عليه، لأنه لا يجوز انتقاله من حال إلى حال بغير ناقل ولا مدبر) .
فذكر هذه المقدمة مجردة عن الاستدلال، فإن كان العالم انتقاله من حال إلى حال، لا يعلم به أن له ناقلا مدبرا إلا بأدلة تذكر، فهو لم يذكر تلك الأدلة، بل ادعى دعوى نظرية تقبل النزاع بلا دليل.
وحينئذ فيكون طعن من طعن من المعتزلة في كلامه أوجه، فإنه لم يقم دليلا: لا على حدوث الجسم، ولا على أن المحدث لا بد له من محدث.
ثم يقال: من العجائب أن يكون القول بأن العالم حدث من غير محدث أحدثه، وأن بعض الحوادث حدث من غير محدث أحدثه، قول قاله كثير من الفلاسفة والدهرية، أو طوائف من نظار المسلمين.
والقول بأن العلم بأن الأفعال تتعلق بفاعل، وأن المخلوقات تتعلق بفاعل، وأن المخلوقات تتعلق بخالق - علم ضروري، إنما قاله شرذمة لا [ ص: 310 ] يعتد بقولها، وأن الجميع من العقلاء إنما يعلم هذا بالفحص والبحث، مع أنه لا يعلم أن أحدا من المشهورين بالعلم، طلب على هذا دليلا، ولم يذكر عن أحد من الكفار مطالبة أحد من المؤمنين بدليل على هذا، ولا في كتاب الله وسنة ورسوله، ولا كلام أحد من السلف والأئمة ذكر حاجة هذا إلى الاستدلال. أو الاستدلال عليه بما ذكرتموه: من أن ذلك يتضمن التقدم والتأخر، فلا بد به من مرجح.