قال: (ثم مجيبا أبو حامد للفلاسفة في قولهم: إن الجسم ليس بواجب الوجود بذاته لكونه له أجزاء هي علته. فإن قيل: لا ينكر أن يكون الجسم له أجزاء، وأن الجملة إنما تقوم بالأجزاء، وأن الأجزاء تكون سابقة في الذات على الجملة. قلنا: ليكن كذلك، فإن الجملة تقومت بالأجزاء واجتماعها، ولا علة للأجزاء ولا اجتماعها، بل هي قديمة كذلك بلا علة فاعلية، فلا يمكنهم رد هذا إلا بما ذكروه من لزوم نفي الكثرة عن الموجود الأول، وقد أبطلناه عليهم، ولا سبيل لهم سواه) . قال
قال: (فبان أن من لا يعتقد حدوث الأجسام، لا يصل [ ص: 229 ] لاعتقاد في الصانع أصلا) .
قال (هذا القول لازم لزوما لا شك فيه لمن سلك طريقة واجب الوجود في إثبات موجود ليس بجسم، وذلك أن هذه الطريق لم يسلكها القدماء، وإنما أول من سلكها - فيما وصلنا - ابن رشد: وقد قال: إن أشرف من طريقة القدماء، وذلك أن القدماء إنما صاروا إلى إثبات موجود ليس بجسم هو مبدأ للكل، من أمور متأخرة، وهي الحركة والزمان. وهذه الطريقة تفضي إليه - زعم - أعني إلى إثبات مبدأ بالصفة التي أثبتها القدماء من النظر في طبيعة الوجود بما هو موجود، ولو أفضت لكان ما قال صحيحا، لكنها ليس تفضي) . وذلك أن واجب الوجود بذاته إذا وضع موجودا فغاية ما ينتفي عنه أن يكون مركبا من مادة وصورة، وبالجملة أن يكون له جزء، فإذا وضع موجودا مركبا من أجزاء قديمة، من شأنها أن يتصل بعضها ببعض، كالحال في العالم وأجزائه، صدق على العالم - أو على أجزائه - أنه واجب الوجود) . [ ص: 230 ] ابن سينا،
قال: (هذا كله إذا سلمنا أن ها هنا موجودا هو واجب الوجود، وقد قلنا نحن: إن الطريقة التي سلكها في إثبات موجود بهذه الصفة ليست برهانية، ولا تفضي بالطبع إليه، إلا على النحو الذي قلنا.
وأكثر ما يلزم هذا القول، أعني ضعف هذه الطريقة عند من يضع ها هنا جسما بسيطا غير مركب من مادة وصورة، وهو مذهب المشائين، لأن من يضع مركبا قديما من أجزاء بالفعل، فلا بد أن يكون واحدا بالذات، وكل وحدة في شيء مركب فهي من قبل واحد بنفسه، أعني بسيطا ومن قبل هذا الواحد صار العالم واحدا.