فإن كانت المقدرات بعضها علل لبعض، فالإنسان قد يفرض ذلك في وهمه، وإنما الكلام في الموجود في الأعيان لا في الأذهان، لا يبقى إلا نفوس الأموات، وقد ذهب [ ص: 154 ] بعض الفلاسفة إلى أنها كانت واحدة أزلية قبل التعلق بالأبدان، وعند مفارقة الأبدان تتحد، فلا يكون فيه عدد، فضلا عن أن يوصف بأنه لا نهاية لها، وقال آخرون: النفس تابع للمزاج، وإنما معنى الموت عدمها، ولا قوام لها بجوهرها دون الجسم، فإذن لا وجود في النفوس إلا في أحياء، والأحياء الموجودون محصورون، ولا تنتهي النهاية عنهم، والمعدومون لا يوصفون أصلا بوجود النهاية ولا بعدمها إلا في الوهم، إذا فرضوا موجودين) . فإن قيل: الدورات ليست موجودة في الحال، ولا صور العناصر وإنما الموجود منها صورة واحدة بالفعل، وما لا وجود له لا يوصف بالتناهي وعدم التناهي، إلا إذا قدر في الوهم وجودها، ولا يتعذر ما يقدر في الوهم،
قال: (والجواب أن هذا الإشكال في النفوس أوردناه على ابن سينا والمحققين منهم، إذا حكموا بأن النفس جوهر قائم بنفسه، وهو اختيار والفارابي أرسطاليس والمعتبرين من الأوائل، ومن عدل [ ص: 155 ] عن هذه المسلك فيقول: هل يتصور أن يحدث شيء يبقى أم لا؟ فإن قالوا: لا، فهو محال، وإن قالوا نعم، قلنا: إذا قدرنا كل يوم حدوث شيء وبقاءه، اجتمع إلى الآن لا محالة موجودات لا نهاية لها، فالدورة وإن كانت منقضية، فحصول موجود فيها، يبقى ولا ينقضي غير مستحيل، وبهذا التقدير يتقرر الإشكال، ولا غرض في أن يكون ذلك الباقي نفس آدمي، أو جني، أو شيطان، أو ملك، أو ما شئت من الموجودات، وهو لازم على كل مذهب لهم، إذا أثبتوا دورات لا نهاية لها) .