وقوله: (فإن صار أحدهما فلحضور شيء أو غيبته) هو أيضا مما لا يحتاج إليه ولا بينة، ولا هو مسلم، بل هو باطل، إذ كان الممكن إنما يفتقر إلى غيره إذا كان موجودا، فأما ما كان مستمرا على العدم، فلا يحتاج دوام عدمه إلى شيء، وحقيقة كلامه أنه صار الوجود فلحضور غيره، وإن صار العدم فلغيبة غيره، فيكون إنما عدم لغيبة سببه، وهذا كما قد عرف كلام ليس ببين، وهو متنازع فيه، بل هو باطل، وعند التحقيق تبين أن عدم الغير مستلزم لعدمه، ودليل على عدمه، لا أنه الموجب لعدمه.
وكلام القاضي أبي بكر وأبي الحسين البصري وأمثالهما في هذا [ ص: 129 ] الباب، هو أصرح في المعقول، بل هو صواب، وهذا خطأ، وإن كان أولئك مقصرين من وجه آخر، حيث استولوا على الواضح بالخفي.
وأما وأتباعه، ابن سينا كالرازي وغيره، فدليلهم باطل، ولم يثبتوا وجودا واجبا، بل تكلموا في تقسيم الوجود إلى واجب وممكن بكلام ابتدعوه، خالفوا به سلفهم وسائر العقلاء ونقضوا به أصولهم التي قرروها بالعقل الصريح، فإن أبا الحسين يقول: (الدليل على أن للمحدث محدثا هو أنه لا يخلو: إما أن يكون حدث وكان يجوز أن لا يحدث، أو كان يجب أن يحدث، فلو حدث مع وجوب أن يحدث، لم يكن بأن يحدث في تلك الحال أولى من أن يحدث من قبل، فلا يستقر حدوثه على حال، إذ كان حدوثه واجبا في نفسه.
وإن حدث مع جواز أن لا يحدث، لم يكن بالحدوث أولى من أن لا يحدث، لولا شيء اقتضى حدوثه)
فقد بين أن الحادث إن كان واجب الحدوث بنفسه لم يختص بوقت دون وقت، إذ الواجب بنفسه لا يختص بوقت دون وقت، وإذا لم يختص يجب أن لا يحدث في بعض الأوقات، والتقدير أنه حدث في بعض الأوقات.
وأيضا فالتخصيص بوقت دون وقت لا بد له من مخصص، وإن كان ممكن الحدوث، بحيث يكون قد حدث وكان من الممكن أن لا [ ص: 130 ] يحدث، لم يكن بالحدوث أولى منه بعدم الحدوث لولا شيء اقتضى حدوثه.