[ ص: 24 ] والمقصود هنا التنبيه على منشأ النزاع في الوجوب، كما نبهنا على النزاع في ترتيب الوجوب. وأما الحصول وصرح هؤلاء بأنه لا يستدل بنصوص الرسل على شيء من صفات الله تعالى، لا إثباتا ولا نفيا. كما يقول ذلك من يقوله من فكثير من الناس يقول: المعرفة لا تحصل إلا بالعقل، وقد يسرف هؤلاء حتى لا يثبتوا أشياء من صفات الله تعالى، لا نفيا ولا إثباتا إلا بالعقل. المعتزلة ومن اتبعهم من متأخري الأشعرية، ويجعلون أصول الدين هي: العقليات المحضة التي لا تعلم بالسمع. ثم قد يعينون من الطرق العقلية ما هو باطل عقلا وشرعا كطريقة الأعراض، وطريقة التركيب وطريقة الاختصاص.
وإلى هذه الثلاث تعود جميع أصول النفاة. ويقابلهم آخرون فيقولون: المعرفة لا تحصل إلا بالسمع، ولا تحصل بالعقل. وربما قالوا: إنه لا يمكن حصولها بالعقل. وقد بينا في غير هذا الموضع أن الأدلة العقلية والسمعية متلازمة، كل منهم مستلزم صحة الآخر. فالأدلة العقلية تستلزم صدق الرسل فيما أخبروا به، والأدلة السمعية فيها بيان الأداة العقلية التي بها يعرف الله، وتوحيده، وصفاته، وصدق أنبيائه.
ولكن من الناس من ظن أن السمعيات ليس فيها عقلي. والعقليات [ ص: 25 ] لا تتضمن السمعي. ثم افترقوا فمنهم من رجح السمعيات، وطعن في العقليات، ومنهم من عكس.
وكلا الطائفتين مقصر في المعرفة بحقائق الأدلة السمعية والعقلية. ثم تجد هؤلاء وهؤلاء في أتباع الأئمة: مالك، والشافعي، وغيرهم. وأحمد،