حجج تهافت كالزجاج تخالها ... حقا، وكل كاسر مكسور
وإنما كان الأمر كذلك لأن واحدا من الفريقين لا يعتمد في مقالتها التي ينصرها أصلا صحيحا، وإنما هي أوضاع تتكافأ وتتقابل، فيكثر المقال، ويدوم الاختلاف، ويقل الصواب.
قال الله تعالى: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [سورة النساء: 82]. فأخبر سبحانه أن ما كثر فيه الاختلاف فليس من عنده.
وهذا من أدل الدليل على أن وذلك صفة الباطل الذي أخبر الله عنه. [ ص: 315 ] مذاهب المتكلمين مذاهب فاسدة، لكثرة ما يوجد فيها من الاختلاف المفضي بهم إلى التكفير والتضليل،
ثم قال سبحانه في الحق: بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق [سورة الأنبياء: 18].
قال (فإن قيل: دلائل النبوة، ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم - ما عدا القرآن - إنما نقلت إلينا من طريق الآحاد دون التواتر، والحجة لا تقوم بنقل الآحاد على من كان في الزمان المتأخر، لجواز وقوع الغلط فيها، واعتراض الآفات من الكذب وغيره عليها، قيل: هذه الأخبار، وإن كانت شروط التواتر في آحادها معدومة، فإن جملتها راجعة من طريق المعنى إلى التواتر، ومتعلقة به جنسا، لأن بعضها يوافق بعضا ويجانسه. إذ كل ذلك واقع تحت الإعجاز، والأمر المزعج للخواطر الناقض لمجرى العادات) . الخطابي:
قال: (ومثال ذلك أن يروي قوم أن حاتم طي وهب لرجل مائة [ ص: 316 ] من الإبل، ويروي آخرون أنه وهب لرجل آخر ألفا من الغنم، ويروي آخرون أنه وهب آخر عشرة أرؤس من الخيل والرقيق إلى ما يشبه ذلك حتى يكثر عدد ما يروى عنه، فهو وإن لم يثبت التواتر في كل واحد منها [نوعا] نوعا، فقد ثبت التواتر في جنسها، وحصل من جملتها العلم بأن حاتما سخي، كذلك هذه الأمور وإن لم يثبت لأفراد أعيانها تواتر، فقد ثبت برواية الجم الغفير، الذي لا يحصى عددهم، ولا يتوهم التواطؤ في الكذب عليهم، أنه قد جاء بمعنى معجز للبشر خارج عما في قدرهم، فصح بذلك أمر نبوته) .