وبهذا احتج الملاحدة، وغيره، على مثبتي المعاد، وقالوا: القول في نصوص المعاد كالقول في نصوص التشبيه والتجسيم، وزعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين ما الأمر عليه في نفسه، لا في العلم بالله تعالى ولا باليوم الآخر، فكان الذي استطالوا به على هؤلاء هو موافقتهم لهم على كابن سينا وإلا فلو آمنوا بالكتاب كله حق الإيمان لبطلت معارضتهم ودحضت حجتهم. [ ص: 203 ] نفي الصفات،
ولهذا كان ابن النفيس المتطبب الفاضل يقول: ليس إلا مذهبان: مذهب أهل الحديث، أو مذهب الفلاسفة، فأما يعني أن أهل الحديث أثبتوا كل ما جاء به الرسول، وأولئك جعلوا الجميع تخييلا وتوهيما. هؤلاء المتكلمون فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف،
ومعلوم بالأدلة الكثيرة السمعية والعقلية فساد مذهب هؤلاء الملاحدة، فتعين أن يكون الحق مذهب السلف أهل الحديث والسنة والجماعة.
ثم إن وأمثاله من الباطنية المتفلسفة ابن سينا والقرامطة يقولون: إنه أراد من المخاطبين أن يفهموا الأمر على خلاف ما هو عليه، وأن يعتقدوا ما لا حقيقة له في الخارج، لما في هذا التخييل والاعتقاد الفاسد لهم من المصلحة.
والجهمية والمعتزلة وأمثالهم يقولون: إنه أراد أن يعتقدوا الحق على ما هو عليه، مع علمهم بأنه لم يبين في الكتاب والسنة، بل النصوص تدل على نقيض ذلك، فأولئك يقولون: أراد منهم اعتقاد الباطل وأمرهم به، وهؤلاء يقولون: أراد اعتقاد ما لم يدلهم إلا على نقيضه.
والمؤمن يعلم بالاضطرار أن كلا القولين باطل، ولا بد للنفاة أهل التأويل من هذا أو هذا: وإذا كان كلاهما باطلا كان [ ص: 204 ] فيكون نقيضه حقا، وهو إقرار الأدلة الشرعية على مدلولاتها، ومن خرج عن ذلك لزمه من الفساد ما لا يقوله إلا أهل الإلحاد. تأويل النفاة للنصوص باطلا:
وما ذكرناه من لوازم قول أهل التفويض: هو لازم لقولهم الظاهر المعروف بينهم، إذ قالوا: إن الرسول كان يعلم معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة، ولكن لم يبين للناس مراده بها، ولا أوضحه إيضاحا يقطع به النزاع.