الوجه العاشر
أن يعارض دليلهم بنظير ما قالوه، فيقال: لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع للنقيضين، وتقديم العقل ممتنع، لأن العقل قد دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل، وإذا أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضا للنقل؛ لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء، فكان تقديم العقل موجبا عدم تقديمه، فلا يجوز تقديمه. إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل؛
وهذا بين واضح، فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته وأن خبره مطابق لمخبره، فإن جاز أن تكون هذه الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون [ ص: 171 ] العقل دليلا صحيحا، وإذا لم يكن دليلا صحيحا لم يجز أن يتبع بحال، فضلا عن أن يقدم، فصار تقديم العقل على النقل قدحا في العقل بانتفاء لوازمه ومدلوله، وإذا كان تقديمه على النقل يستلزم القدح فيه، والقدح فيه يمنع دلالته، والقدح في دلالته يقدح في معارضته، كان تقديمه عند المعارضة مبطلا للمعارضة، فامتنع تقديمه على النقل، وهو المطلوب.