والمقصود هنا التنبيه على أنه فإن الذين سلكوا هذه السبيل كلهم يخبر عن نفسه بما يوجب حيرته وشكه، والمسلمون يشهدون عليه بذلك، فثبت بشهادته وإقراره على نفسه وشهادة المسلمين، الذين هم شهداء الله في الأرض، أنه لم يظفر من أعرض عن الكتاب، وعارضه بما يناقضه، بيقين يطمئن إليه، ولا معرفة يسكن بها قلبه. لو سوغ للناظرين أن يعرضوا عن كتاب الله تعالى ويعارضوه بآرائهم ومعقولاتهم، لم يكن هناك أمر مضبوط يحصل لهم به علم ولا هدى،
والذين ادعوا في بعض المسائل أن لهم معقولا صريحا يناقض الكتاب قابلهم آخرون من ذوي المعقولات، فقالوا: إن قول هؤلاء معلوم بطلانه بصريح المعقول، فصار ما يدعى معارضته للكتاب من المعقول ليس فيه ما يجزم بأنه معقول صحيح: إما بشهادة أصحابه عليه وشهادة الأمة، وإما بظهور تناقضهم ظهورا لا ارتياب فيه، وإما بمعارضة آخرين من أهل هذه المعقولات لهم، بل من تدبر ما يعارضون به الشرع من العقليات وجد ذلك مما يعلم بالعقل الصريح بطلانه.