الوجه السادس والثلاثون
أن يقال: هم إذا أعرضوا عن الأدلة الشرعية لم يبق معهم إلا طريقان: إما طريق النظار: وهي الأدلة القياسية العقلية، وإما طريق الصوفية: وهي الطريقة العبادية الكشفية، وكل من جرب هاتين [ ص: 346 ] الطريقين علم أن ما لا يوافق الكتاب والسنة منهما فيه من التناقض والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولهذا كان من سلك إحداهما إنما يؤول به الأمر إلى الحيرة والشك، إن كان له نوع عقل وتمييز، وإن كان جاهلا دخل في الشطح والطامات التي لا يصدق بها إلا أجهل الخلق.
فغاية هؤلاء الشك، وهو عدم التصديق بالحق، وغاية هؤلاء الشطح وهو التصديق بالباطل، والأول يشبه حال اليهود، والثاني يشبه حال النصارى، فحذاق أهل الكلام والنظر يعترفون بالحيرة والشك، كما هو معروف عن غير واحد منهم، كالذي كان يتكلم على المنبر فأخذ ويقول: كان الله ولا عرش، وهو لم يتحول عما كان عليه: فقام إليه الشيخ ينكر العلو على العرش، أبو الفضل جعفر الهمذاني وقال: دعنا يا أستاذ من ذكر العرش واستواء الله عليه، يعني أن هذا يعلم بالسمع، وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، ما قال: عارف قط: يا الله، إلا ويجد قبل أن يتحرك لسانه في نفسه معنى يطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فهل عندك [من جواب على هذا؟]. [ ص: 347 ]