[ ص: 153 ] 562 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي كان من الأعرابي إليه في جره رداءه على رقبته حتى حمرها ، ومن طلبه منه القود في ذلك
3529 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14357الربيع بن سليمان الجيزي ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15020عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، قال : حدثنا
محمد بن هلال ، عن
أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670955nindex.php?page=treesubj&link=30961_30968_30969_32460كنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، حتى إذا قام قمنا ، فقام يوما ، وقمنا معه ، حتى لما بلغ وسط المسجد أدركه الأعرابي فجبذ بردائه من ورائه ، وكان رداؤه خشنا ، فحمر رقبته ، فقال : يا محمد احمل لي على بعيري هذين ، فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي . فقال الأعرابي : والله لا أقيدك . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات ، كل ذلك يقول : والله لا أقيدك ، فلما سمعنا قول الأعرابي ، أقبلنا إليه سراعا ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم : احمل له على بعير شعيرا ، وعلى بعير تمرا ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انصرفوا .
[ ص: 154 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر : فقال قائل : من أين وسعكم القود في مثل ما ذكر في هذا الحديث ، حتى خالفتموه جميعا لا إلى حديث مثله .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أنه قد يحتمل أن يكون القود الذي طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الأعرابي لم يكن على ما توهمه من القصاص ، ولكنه كان على أن يعود متواضعا بالبذل له من نفسه مثل الذي فعله حتى يكون بذلك على مثل ما يكون عليه أهل الإسلام في التواضع عند مثل هذا ، كما كان من تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث
عمر الذي ذكرنا ، ثم من تواضع
أبي بكر رضي الله عنه الذي روينا في الباب الذي قبل هذا الباب ، ويكون ذكره القود على الاستعارة ، كما تستعير العرب الكلمة للمعنى الذي فيها مما استعاروها منه ، من ذلك قولهم : هراق فلان مهجة فلان ، ليس لأن المهجة مهراقة ، وإنما المهراق الدم ، وذلك كثير في كلام العرب ، حتى تعالى ذلك إلى مجيء القرآن به ، وهو ما وصف الله عز وجل في قصة
موسى وصاحبه صلوات الله عليهما من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه . فذكره بالإرادة ، والجدار لا إرادة
[ ص: 155 ] له ، ولكنه كان منه ما يكون من ذوي الإرادة عند إرادتهم إلقاء أنفسهم إلى الأرض ، فمثل ذلك ما أراد من الأعرابي أن يبذل له من نفسه مثل الذي يبذل بالقود ، وفيما ذكرنا ما قد دل على أن لا حجة لهذا المتأول علينا فيما احتج به علينا من تأويله هذا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .
[ ص: 153 ] 562 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي كَانَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ إِلَيْهِ فِي جَرِّهِ رِدَاءَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ حَتَّى حَمَّرَهَا ، وَمِنْ طَلَبِهِ مِنْهُ الْقَوَدَ فِي ذَلِكَ
3529 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=14357الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15020عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ ، عَنْ
أَبِيهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670955nindex.php?page=treesubj&link=30961_30968_30969_32460كُنَّا نَقْعُدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، حَتَّى إِذَا قَامَ قُمْنَا ، فَقَامَ يَوْمًا ، وَقُمْنَا مَعَهُ ، حَتَّى لَمَّا بَلَغَ وَسَطَ الْمَسْجِدِ أَدْرَكَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ مِنْ وَرَائِهِ ، وَكَانَ رِدَاؤُهُ خَشِنًا ، فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ احْمِلْ لِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ ، فَإِنَّكَ لَا تَحْمِلُ لِي مِنْ مَالِكَ وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا أَحْمِلُ لَكَ حَتَّى تُقِيدَنِي مِمَّا جَبَذْتَ بِرَقَبَتِي . فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَاللهِ لَا أُقِيدُكَ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ : وَاللهِ لَا أُقِيدُكَ ، فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الْأَعْرَابِيِّ ، أَقْبَلْنَا إِلَيْهِ سِرَاعًا ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : عَزَمْتُ عَلَى مَنْ سَمِعَ كَلَامِي أَنْ لَا يَبْرَحَ مَقَامَهُ حَتَّى آذَنَ لَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ : احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا ، وَعَلَى بَعِيرٍ تَمْرًا ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْصَرِفُوا .
[ ص: 154 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14695أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَالَ قَائِلٌ : مِنْ أَيْنَ وَسِعَكُمُ الْقَوَدُ فِي مِثْلِ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، حَتَّى خَالَفْتُمُوهُ جَمِيعًا لَا إِلَى حَدِيثٍ مِثْلِهِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ ، أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَوَدُ الَّذِي طَلَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ مِنَ الْقِصَاصِ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى أَنْ يَعُودَ مُتَوَاضِعًا بِالْبَذْلِ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِثْلَ الَّذِي فَعَلَهُ حَتَّى يَكُونَ بِذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي التَّوَاضُعِ عِنْدَ مِثْلِ هَذَا ، كَمَا كَانَ مِنْ تَوَاضُعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَا ، ثُمَّ مِنْ تَوَاضُعِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّذِي رَوَيْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ ، وَيَكُونُ ذِكْرُهُ الْقَوَدَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ ، كَمَا تَسْتَعِيرُ الْعَرَبُ الْكَلِمَةَ لِلْمَعْنَى الَّذِي فِيهَا مِمَّا اسْتَعَارُوهَا مِنْهُ ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : هَرَاقَ فُلَانٌ مُهْجَةَ فُلَانٍ ، لَيْسَ لِأَنَّ الْمُهْجَةَ مُهْرَاقَةٌ ، وَإِنَّمَا الْمُهْرَاقُ الدَّمُ ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، حَتَّى تَعَالَى ذَلِكَ إِلَى مَجِيءِ الْقُرْآنِ بِهِ ، وَهُوَ مَا وَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ
مُوسَى وَصَاحِبِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ . فَذَكَرَهُ بِالْإِرَادَةِ ، وَالْجِدَارُ لَا إِرَادَةَ
[ ص: 155 ] لَهُ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْهُ مَا يَكُونُ مِنْ ذَوِي الْإِرَادَةِ عِنْدَ إِرَادَتِهِمْ إِلْقَاءَ أَنْفُسِهِمْ إِلَى الْأَرْضِ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا أَرَادَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ أَنْ يَبْذُلَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِثْلُ الَّذِي يَبْذُلُ بِالْقَوَدِ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنْ لَا حُجَّةَ لِهَذَا الْمُتَأَوِّلِ عَلَيْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ تَأْوِيلِهِ هَذَا ، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .