[ ص: 448 ] 355 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجازته قضاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه في القوم الذين سقطوا في الزبية المحفورة باليمن المتعلقين بعضهم ببعض حتى كان موتهم لذلك
2200 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، عن إسرائيل بن يونس ، عن سماك بن حرب حنش وهو ابن المعتمر ، عن رضي الله عنه ، قال : علي اليمن فوجدت حيا من أحياء العرب قد حفروا أو قال : قد زبوا زبية لأسد فصادوه فبينا هم يتطلعون فيها إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم هوى الآخر فتعلق بآخر ثم تعلق الآخر بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد كلهم فتناوله رجل فقتله وماتوا من جراحهم كلهم ، فقام أولياء الآخر إلى أولياء الأول فأخذوا السلاح ليقتتلوا ، فأتاهم علي رضي الله عنه على تفيئة ذلك فقال : أتريدون أن تقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي ، وأنا إلى جنبكم ، فلو اقتتلتم قتلتم أكثر مما تختلفون فيه فأنا أقضي بينكم بقضاء فإن رضيتم القضاء وإلا حجز بعضكم عن [ ص: 449 ] بعض حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حق له ، اجمعوا من القبائل الذين حضروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة ، فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة ، وللذي يليه ثلث الدية لأنه هلك من فوقه اثنان ، وللثالث نصف الدية لأنه هلك من فوقه واحد ، وللرابع الدية كاملة ، فأبوا أن يرضوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوه عند مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقصوا عليه القصة ، فقال : أنا أقضي بينكم واحتبى ببرده ، فقال رجل من القوم : إن عليا قد قضى بيننا فلما قصوا عليه القصة أجازه بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى .
2201 - حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن عدي [ ص: 450 ] الكوفي ، عن أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب حنش بن المعتمر ، قال : باليمن ، فوقع فيها الأسد فأصبح الناس يتدافعون على رأسها فهوى فيها رجل فتعلق بآخر فتعلق الآخر بآخر فتعلق الآخر بآخر فهوى فيها أربعة فهلكوا جميعا ، فلم يدر الناس كيف يصنعون ؟ فجاء رضي الله عنه فقال : إن شئتم أن أقضي بينكم بقضاء يكون حاجزا بينكم حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإني أجعل على من حضر البئر الدية ، فأجعل للأول الذي هوى في البئر ربع الدية وللثاني ثلث الدية ، وللثالث نصف الدية ، وللرابع الدية كاملة ، قال فرغبوا عن ذلك حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بقضاء علي علي رضي الله عنه فأجاز القضاء حفرت زبية لأسد .
قال : فتأملنا هذا الحديث لنقف على الوجه الذي فيه حكم أبو جعفر علي رضي الله عنه بما حكم به مما ذكر فيه إن شاء الله ، فوجدنا في حديث روح أن الذين كانوا على رأس الزبية كانوا يتدافعون حتى يسقطوا فيها .
ووجدنا في حديث فهد سقوط بعضهم على بعض لأن فيه : فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة وللذي يليه ثلث الدية لأنه هلك من فوقه اثنان وللثالث نصف الدية لأنه هلك من فوقه واحد .
فعقلنا بما في حديث روح أن الذين كانوا على الزبية جانون على [ ص: 451 ] الساقطين واحتمل أن يكون الساقطون فيها كانوا مع ذلك متشابكين .
فكان الأول منهم سقوطا بجره الذي يليه جارا للآخرين الذين يليانه إذا كان بعضهم متشابكا لبعض كان جر الذي جر أولهم جرا منه لبقيتهم ، وكان موت الأول منهم من دفع من كان على رأس الزبية إياه في الزبية ، ومن سقوط ثلاثة من الرجال الساقطين فيها عليه بجره إياهم على نفسه فكان ميتا بالأربعة الأشياء .
أحدها الدفع المجهول فاعلوه من القوم الذين كانوا على شفير الزبية فعاد حكمه إلى حكم دفع رجل واحد ، ومن ثقل ثلاثة رجال هو الذي جرهم على نفسه حتى سقطوا عليه فوجب له ربع دية نفسه بالدفعة ، وسقط من ديته ثلاثة أرباعها إذ كان هو سبب سقوط الثلاثة الرجال الذين سقطوا عليه .
ووجدنا الثاني من الساقطين فيها ميتا من الدفعة المجهولة فاعلوها من الرجال الذين على شفير الزبية ومن جره رجلين عليه حتى مات من ثقلهما عليه ومن سقوطه في الزبية فكان ثلث ديته بالدفعة واجبا له على أهلها وكان ما بقي من ديته مما كان هو سببه هدرا .
ووجدنا الثالث أيضا كان تلفه بالدفعة المجهول أهلها وبجره الرابع عليه فوجب له نصف ديته بالدفعة ، وبطل نصف ديته لأنه كان السبب لتلف ما تلف منها بجره الذي جره على نفسه .
ووجدنا الرابع تالفا من الدفعة المجهول فاعلوها لا من سواها فوجب له بذلك جميع ديته على من وجبت عليه ، [ ص: 452 ] فإن قال قائل : فكيف وجب على ذوي الدفعة ما ذكرت وأنت تعلم أن الدفعة التي بها كان ذلك السقوط إنما كان من حاضر ممن كان على الزبية لا من كلهم فقد كان ينبغي إذا جهلت ذلك الحاضر أن تجعل الواجب في ذلك هدرا لأنه لا يدرى على من هو .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن الأمر في ذلك ليس كما ذكر ولكنه رجع الحكم في ذلك إلى نفر اجتمعوا فاقتتلوا فأجلوا عن قتيل منهم ، ولم يدر من قتله منهم فديته على عواقلهم جميعا كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية القتيل من الأنصار الموجود بخيبر لا يدرى من قتله على اليهود الذين كانوا بخيبر حينئذ ، وكانت خيبر دارهم فمثل ذلك هؤلاء المقتتلون الذين قد حضروا المكان الذي اقتتلوا فيه ، وصارت أيديهم عليه دون أيدي غيرهم يكون به من أصيب فيه قتيلا ممن جهل من قتله عليهم جميعا على عواقلهم .
فإن قال : قائل فإن في حديث فهد الذي ذكرت فجرحهم الأسد كلهم وماتوا من جراحهم كلهم ففي ذلك ما قد دل على أن حكم موتهم من الجراح التي كانت من الأسد فيهم لا مما سواها .
كان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله عز وجل وعونه - أن سبب جراحة الأسد إياهم كان من الدفعة التي كان عنها سقوطهم في الزبية ومن ثقل بعضهم على بعض حتى كان عن ذلك موتهم بجراحة الأسد إياهم فكان مثل ذلك كرجل دفع رجلا في بئر حتى وقع فيها على حجر فمات من سقوطه على ذلك الحجر أو كانت فيها سكين فمات من سقوطه على تلك السكين فالحكم في ذهاب نفسه أن الواجب [ ص: 453 ] فيه على من كان سببا لموته مما مات منه مما ذكرنا دون ما سواه ، وفي هذا الحكم ما دفع ما قد كان الأوزاعي يقوله فيمن قتل نفسه على سبيل خطأ كان منه عليها أن ديته تكون على عاقلته كما تكون عليها لو قتله رجل منها سواه ولم نجد هذا القول عن أحد من أهل العلم غيره ، والله تعالى نسأله التوفيق .