ومنهم من ذم الاستحسان تارة، وقال به تارة، كالشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم، ففي كتب ومالك وأصحابه ذكر لفظ الاستحسان في مواضع . مالك قال: من استحسن فقد [ ص: 166 ] شرع، وتكلم في إبطال الاستحسان، وبسط القول في ذلك . وكان من أعظم الأئمة إنكارا له، وهو الذي عليه أصحابه في أصول الفقه. ومع هذا فقد قال بلفظ الاستحسان، كما قال: أستحسن أن تكون المتعة ثلاثين درهما" . والشافعي
ولهذا حكي في الاستحسان قولان: قديم وجديد. للشافعي
وكذلك نقل عنه أحمد بن حنبل، أبو طالب أنه قال: أصحاب إذا قالوا شيئا خلاف القياس قالوا: نستحسن هذا [ ص: 167 ] وندع القياس. فيدعون الذي يزعمون أنه الحق بالاستحسان. قال: وأنا أذهب إلى كل حديث جاء، ولا أقيس عليه . أبي حنيفة
قال : وظاهر هذا يقتضي إبطال القول بالاستحسان، وأنه لا يقاس المنصوص عليه على المنصوص عليه. القاضي أبو يعلى
قلت: مراد أني أستعمل النصوص كلها، ولا أقيس على أحد النصين قياسا يعارض النص الآخر، كما يفعل من ذكره، حيث يقيسون على أحد النصين، ثم يستثنون موضع الاستحسان إما لنص أو غيره، والقياس عندهم يوجب العلة الصحيحة، فينقضون العلة التي يدعون صحتها مع تساويها في محالها. أحمد
وهذا من يبين أنه يوجب طرد العلة الصحيحة، وأن انتقاضها مع تساويها في محالها يوجب فسادها. ولهذا قال: لا أقيس على أحد النصين قياسا ينقضه النص الآخر، فإن ذلك يدل على فساد القياس. أحمد
وهو يستعمل مثل هذا في مواضع، مثل حديث وفيه [ ص: 168 ] قوله - صلى الله عليه وسلم -: أم سلمة مع حديث "إذا أراد أحدكم أن يضحي ودخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئا"، عائشة: . كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يبعث به وهو مقيم، فلا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم
والناس في هذا على ثلاثة أقوال:
منهم من يسوي بين الهدي والأضحية في المنع، ويقول: إذا أرسل المحرم هديا لم يحل حتى ينحر، كما يروى عن وغيره. ابن عباس
ومنهم من يسوي بينهما في الإذن، ويقول: بل المضحي لا يمنع عن شيء كما لا يمنع المهدي، فيقيسون على أحد النصين ما يعارض الآخر.