[ ص: 198 ] [ ص: 199 ]
الرسالة في أحكام الولاية [ ص: 200 ] بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله
سأل بعض ولاة الأمور -وفقه الله تعالى لمعالي الأمور، وجنبه بفضل رحمته مواقع الشرور، وجمع بينه وبين أوليائه في دار الحبور- شيخ الإسلام ومفتي الأنام، ومن عمت بركته أهل العراقين والشام: تقي الدين أبا العباس أحمد بن الشيخ العلامة شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية، أعاد الله من بركته على الطالبين، وأعلى درجته في عليين أن يبين له سبيل حكم الولاية على قواعد بناء الشرع المطهر، بسبب تهمة وقعت في سرقة، ليكتب شيئا في ذلك.
فكتب له الجواب مختصرا، وبالله التوفيق.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
ولاية أمور الإسلام من أعظم واجبات الدين، وأفضل أعمال الصالحين، وأعلى القربات إلى رب العالمين، إذا اجتهد ولي أمرهم في [ ص: 202 ] اتباع الكتاب والسنة، وتحري العدل والإنصاف، وتجنب طرق الجهل والظلم، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: « أخرجاه في « الصحيحين». سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه بالدموع، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
فانظر كيف قدم النبي صلى الله عليه وسلم الإمام العادل.
وفي الحديث: « [ ص: 203 ] يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين أو سبعين سنة».
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « المقسطون عند الله تعالى على منابر من نور عن يمين الرحمن -وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وما ولوا عليه».
وولاية الشرطة والحرب من الولايات الدينية والمناصب الشرعية، المبنية على الكتاب والسنة، والعدل والإنصاف، ولها قوانين صنف العلماء فيها مصنفات كما صنفوا في ولاية القضاء.
فإن على الزاني والسارق والشارب ونحوهم. ويقيم التعزيرات الشرعية على من تعدى حدود الله. ويحكم بين الناس في المخاصمات والمضاربات، ويعاقب في التهم المعلقة بالنفس والأموال، وينصب العرفاء الذين يرفعون إليه أمر الأسواق، والحراس الذين يرفعون أمور المساكن، وغير ذلك من مصالح المسلمين. والي الحرب يقيم الحدود الشرعية
وكل هذه الأمور من الأمور الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: « [ ص: 204 ] حد يقام في الأرض خير من أن تمطروا أربعين صباحا».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن قال في مسلم ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يخرج مما قال، ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع». من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره، رواه « أبو داود.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون -رضي الله عنهم- يقيمون العقوبات الشرعية، ويعرفون العرفاء، وينقبون النقباء، ويحكمون بين الناس في الحدود والحقوق، وقد جعل الله لكل شيء قدرا.
فإذا ادعى الرجل على آخر أنه باعه أو أقرضه، أو نحو ذلك من العقود; لم يكن في ذلك عقوبة، بل إن أقام المدعي بينة وإلا حلف المدعى عليه. وإذا حلف برئ في الظاهر وكان المدعي هو المفرط حيث لم يشهد عليه.
وقد جرت العادة: أن ما فيه شهادات وتعديل وإثبات وأيمان فمرجعه إلى القضاء.