فليأكل من طعامه ولا يسأل عنه" [ ص: 308 ] "إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما
[ ص: 309 ] الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين، وسلم تسليما.
روى في "مسنده" : حدثنا الإمام أحمد حسين بن محمد، ثنا عن مسلم -يعني ابن خالد- عن زيد بن أسلم سمي عن أبي صالح عن قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: أبي هريرة "إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما، فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه، وإن سقاه شرابا من شرابه فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه".
هذا حديث رواه مشهورون، وثقه بعض الأئمة وضعفه بعضهم. وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن ومسلم بن خالد الزنجي رواه أبي هريرة، ابن عجلان عن عن المقبري ، وقد روي موقوفا. وقد رأيت للشيخ أبي هريرة رسالة أملاها حين بلغه -وهو أبي عمر بن عبد البر بشاطبة- أن قوما عابوه بأكل طعام السلاطين وقبول جوائزهم:
قل لمن ينكر أكلي لطعام الأمراء
أنت من جهلك هذا
في محل السفهاء
لأن الاقتداء بالصالحين من الصحابة والتابعين وأئمة الدين من المسلمين والسلف الماضين هو ملاك الدين، فقد كان [ ص: 310 ] -وكان من الراسخين في العلم- يقبل جوائز زيد بن ثابت وابنه معاوية وكان يزيد، مع ورعه وفضله يقبل هدايا صهره ابن عمر ويأكل طعامه ويأخذ جوائزه، وكان المختار بن أبي عبيد، غير مختار. المختار
وقال -وكان قد ملئ علما من قرنه إلى مشاعبه- لرجل سأله فقال: إن لي جارا يعمل الربا، ولا يجتنب في مكسبه الحرام، يدعوني إلى طعامه إذا جئت، فقال: لك المهنأ وعليه المأثم ما لم تعلم الشيء بعينه حراما. عبد الله بن مسعود
وسئل عن جوائز السلطان فقال: لحم ظبي ذكي. عثمان بن عفان
وكان -وهو من كبار التابعين وعلمائهم- يؤدب بني الشعبي ويقبل جوائزه، ويأكل طعامه. عبد الملك بن مروان،
وكان وسائر علماء إبراهيم النخعي الكوفة -مع زهده وورعه- وسائر علماء والحسن البصري البصرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والفقهاء السبعة -حاشا وأبان بن عثمان يقبلون جوائز السلاطين والأمراء. وقبل سعيد بن المسيب- الحسن جائزة والشعبي ابن هبيرة لما سألهما عن حاله مع عبد الملك. وكان مع فضله وورعه يقول: جوائز السلطان أحب إلي من صلات الإخوان، لأن الإخوان يمنون والسلطان لا يمن. سفيان الثوري
ومثل هذا عن العلماء والفضلاء كثير، وقد جمع الناس فيه أبوابا، ولأحمد بن خالد فقيه الأندلس وعالمها في ذلك كتاب حمله على جمعه ووضعه طعن أهل بلاده عليه في قبوله جوائز عبد الرحمن الناصر إذ نقله إلى المدينة بقرطبة، وأسكنه دارا من دور الجامع قربه، وأجرى عليه الرزق من الطعام والشراب والإدام والناض. وله ولمثله في بيت [ ص: 311 ] المال حظ، والمسئول عن التخليط فيه هو السلطان، كما قال لك المهنأ وعليه المأثم لما لم تعلم الشيء بعينه حراما. عبد الله بن مسعود:
ومعنى قول هذا قد اجتمع عليه العلماء ما لم تعلم الشيء بعينه حراما مأخوذا من غير حله، كالخبزة وشبهها من الطعام والثوب والدابة، وما كان مثل ذلك كله من الأشياء المبيعة غصبا أو سرقة، أو مأخوذة بظلم بين لا شبهة فيه، فهذا الذي لم يختلف أحد في تحريمه وسقوط عدالة مستحل الحلة وأخذه وتملكه، وما أعلم أحدا من علماء التابعين تورع عن جوائز السلطان إلا ابن مسعود سعيد بن المسيب بالمدينة ومحمد بن سيرين بالبصرة، وهما قد ذهبا مثلا بالورع، وسلك سبيلهما في ذلك وأهل الزهد والورع والتقشف رحمة الله عليهم أجمعين. أحمد بن حنبل