فصل
الذي تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واتفقت عليه الأحاديث الصحيحة أنه وقد ثبت في الصحيح عن لم يكن يقنت دائما في صلاة الفجر ولا غيرها، لكن كان يطيل الفجر بالقراءة أكثر من غيرها، أنه لم يقنت بعد الركوع إلا شهرا، والعلم بعدم قنوت راتب كالعلم بعدم قنوته في العشاء والمغرب دائما، إذ لم ينقل عنه أنس كلمة تقال في القنوت الراتب، وقد نقلوا عنه قنوت الوتر. [ ص: 298 ] مسلم
وقد تنازع الناس هل كان قنوته راتبا أو منسوخا أو كان لسبب عارض ثم تركه لزواله؟ على ثلاثة أقوال، والثالث قول أهل الحديث، وهو الصواب، وهو قنوت النوازل، كقنوته على الذين قتلوا القراء يوم بئر معونة، فقنت شهرا بعد الركوع يدعو عليهم، وكقنوته يدعو للمستضعفين بمكة، فكان يدعو في قنوته لقوم، ويدعو على قوم من الكفار لينصر عليهم. وكذلك كان يقنت إذا أرسل جيشا إلى عمر بن الخطاب الشام بالقنوت الذي فيه الدعاء على أهل الكتاب، وهو من قنوته موقوف عليه ليس مرفوعا. وكذلك قنت في حروبه. وقد سأل علي أبو ثور عن القنوت فقال: في النوازل، فقال: وأي نازلة أعظم من نازلتنا؟ قال: فاقنتوا إذا، أو كما قال، يريد بذلك امتحان الإمام أحمد الجهمية للمسلمين.
فإذا نزل بالمسلمين أمر عام قنتوا فيه، كما إذا ظهر قوم من المبتدعة والمنافقين قنت المؤمنون، وكذلك في الفتن التي تقع بين المسلمين من الافتراق والاختلاف. لكن لما وقعت الفرقة في زمن علي هل قنت الناس للجماعة والائتلاف كما قنت الطائفتان المقتتلتان؟ أو قنتت كل طائفة تطلب النصر على الأخرى؟ وفي حروب النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الأحزاب ونحوه لم لم يقنت أو لم لم ينقل قنوته؟ فإن المأثور عنه القنوت حيث لم يمكنه النصرة بالقتال، كقنوته على الذين قتلوا القراء، وللمستضعفين الذين بمكة من المؤمنين بخلاصهم.
وكذلك كان يقنت لجنوده، ويدعو لهم بالنصر، ويدعو علي الكفار بالخذلان والنكال، وهذا عوض عن مباشرته القتال بنفسه. [ ص: 299 ] عمر