[ ص: 116 ]
[ ص: 117 ] مسألة في قصد المشاهد المبنية
على القبور للصلاة عندها والنذر لها
وقراءة القرآن وغير ذلك [ ص: 118 ] [ ص: 119 ] مسألة
ما يقول سيدنا الإمام العلامة تقي الدين -أيده الله تعالى- في مشهد فيه شريف مدفون من أولاد والناس يقصدونه ليصلوا عنده الصلوات الخمس، وينذرون له، ومنهم من يقصد البركة، ومنهم من يعتقد أن الصلاة عنده أفضل مما سواه من المساجد. فهل هم مصيبون أم مخطئون؟ وهل لهم أجر أم لا؟ وهل يثاب من يتصدق أو يبر قيم المشهد المذكور أو الفقراء الذين يقعدون عند المشهد المذكور؟ وأيضا يقعد في المشهد قراء يقرأون القرآن العظيم بلا أجرة من العشاء إلى بكرة، فهل يؤجرون على ذلك أم لا؟ وهل للميت أجر باستماعه القرآن أم لا؟ والذين يقرأون القرآن في الترب بالأجرة وفي الختم التي يعملونها، مثل الذي يسمونه الثالث والسابع وتمام الشهر وتمام الحول، وينشدون الأشعار الفراقيات ليبكي أهل الميت، وينقطوه بالفضة، والوعاظ أيضا والذين يقرأون القرآن في الطرقات والأسواق حتى يتصدق عليهم، فما حكمهم؟ والحديث الذي يذكر فيه زين العابدين، أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، إنما كانت يهودية، عائشة: وقوله - صلى الله عليه وسلم -: وقول وإذا كان أحد يتحدث في عليم أو صلاة أو ذكر أو حديث مباح، أو ينام، فهل يجوز لأحد أن يجهر بالقرآن ليشوش عليهم؟ "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن بهذا" وأشار إلى لسانه.
أفتونا مأجورين، رضي الله عنكم.
أجاب -رضي الله عنه-
الحمد لله. اتفق أئمة المسلمين -رضي الله عنهم أجمعين- على [ ص: 120 ] أن سواء كان قبر بعض الصالحين أو بعض الصحابة أو بعض أهل البيت، أو قبر نبي من الأنبياء أو غير ذلك، سواء كان علم أنه قبر الميت المسمى أو علم أنه ليس قبره أو جهل الحال-: اتفقوا كلهم على أن الصلاة فيها ليست أفضل من الصلاة في المساجد، بل ولا في سائر البقاع التي تجوز الصلاة فيها، وأنه لا يشرع لأحد أن يقصدها لأجل الصلاة عندها، لا الصلوات الخمس ولا غيرها. بل قصدها للصلاة عندها والتبرك بالصلاة هناك خصوصا لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من الصحابة ولا من أئمة المسلمين، لا أهل البيت ولا غيرهم، ولا ذكروا أن في ذلك ثوابا أو أجرا أو قربة. المشاهد المبنية على القبور،
بل قد استفاضت السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين بالنهي في ذلك، وصرح غير واحد من أئمة المسلمين أن النهي عن نهي تحريم، كما في الصحيحين عن اتخاذ المساجد على القبور رضي الله عنها عائشة رضي الله عنهما قالا: وابن عباس لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا.
وفي الصحيحين عن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة وفي صحيح "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". عن مسلم قال: جندب بن عبد الله البجلي إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت خليلا. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك". أبا بكر سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس [ ص: 121 ] وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ
وعن أبي مرثد الغنوي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رواه "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". . مسلم
وعن قال: ابن عباس رواه لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. وأهل السنن الأربعة الإمام أحمد أبو داود وابن ماجه والنسائي ، وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: صحيح. والترمذي
وعن رضي الله عنها قالت: عائشة لولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"،
والأحاديث والآثار في هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها وسائر علماء الدين كثيرة. فمن اعتقد أن الصلاة عندها فيها فضيلة على غيرها، أو أنه ينبغي أن يقصد الصلاة عندها [و] أن في ذلك أجرا ومثوبة، فهو مخطئ ضال باتفاق أئمة المسلمين. [ ص: 122 ]
وكذلك العكوف عندها والمجاورة عندها ليس مشروعا باتفاق المسلمين ولا واجبا ولا مستحبا، بل ذلك من البدع المذمومة المنهي عنها. وإنما تكون البقعة التي يشرع العكوف فيها والمجاورة فيها: المساجد، كما قال الله تعالى: تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد . ، وترك مرة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فقضاه في شوال . وهذا هو المشروع للمسلمين. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في مسجده في العشر الأواخر من رمضان ، واعتكف مرة عشرين يوما