[ ص: 300 ] [ ص: 301 ] فتوى
في قراءة القرآن بما يخرجه عن استقامته [ ص: 302 ]
[ ص: 303 ] الحمد لله رب العالمين.
ما تقول أئمة الدين -رضي الله عنهم أجمعين، وجعلهم عاملين بما علموا، مخلصين مصيبين- في أو مد مجمع على قصره، أو قصر مجمع على مده، أو إظهار ما أجمع على إدغامه، أو إدغام ما أجمع على إظهاره، أو تشديد ما أجمع على تخفيفه، أو تخفيف ما أجمع على تشديده، أو بما يزيل الحرف عن مخرجه أو صفته، وما أشبه ذلك مما يعانيه بعض القراء، هل تجوز تلك القراءة؟ وهل يجوز سماعها أو استماعها؟ فإن لم تجز فهل يلزم سامعها أن ينكر على قارئها؟ فإن لزمه وترك فهل يأثم؟ وإن أنكر على قارئها، ولم يقبل القارئ، فهل يجب عليه شيء أم لا؟ أفتونا مأجورين، رحمكم الله، والحمد لله وحده. قراءة القرآن بما يخرجه عن استقامته التي أجمع أئمة القراءة عليها، من تمطيط أو ترجيع بالألحان المطربة،
أجاب شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية:
الحمد لله. الناس مأمورون أن يقرأوا القرآن على الوجه المشروع، كما كان يقرأه السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فإن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول.
وقد تنازع الناس في قراءة الألحان، منهم من كرهها مطلقا بل حرمها، ومنهم من رخص فيها ، وأعدل الأقوال فيها أنها إن كانت موافقة لقراءة السلف كانت مشروعة، وإن كانت من البدع المذمومة [ ص: 304 ] نهي عنها. والسلف كانوا يحسنون القرآن بأصواتهم من غير أن يتكلفوا أوزان الغناء، مثل ما كان يفعل، فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أبو موسى الأشعري . وقال "لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود" لأبي موسى الأشعري: . أي لحسنته لك تحسينا. وكان "مررت بك البارحة وأنت تقرأ، فجعلت أستمع لقراءتك"، فقال: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا يقول عمر يا لأبي موسى الأشعري: أبا موسى، ذكرنا ربنا، فيقرأ وهم يستمعون لقراءته. أبو موسى
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: . وقال: "زينوا القرآن بأصواتكم" . وقال: "لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته" . "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"
وتفسيره عند الأكثرين كالشافعي وغيرهما هو تحسين الصوت به. وقد فسره وأحمد بن حنبل ابن عيينة ووكيع وأبو عبيد على الاستغناء به. فإذا حسن الرجل صوته بالقرآن كما كان السلف يفعلونه -مثل وغيره- فهذا حسن. أبي موسى الأشعري
وأما ما أحدث بعدهم من تكلف القراءة على ألحان الغناء فهذا [ ص: 305 ] ينهى عنه عند جمهور العلماء، لأنه بدعة، ولأن ذلك فيه تشبيه القرآن بالغناء، ولأن ذلك يورث أن يبقى قلب القارئ مصروفا إلى وزن اللفظ بميزان الغناء، لا يتدبره ولا يعقله، وأن يبقى المستمعون يصغون إليه لأجل الصوت الملحن كما يصغى إلى الغناء، لا لأجل استماع القرآن وفهمه وتدبره والانتفاع به. والله سبحانه أعلم. [ ص: 306 ]