ومما يدل على جواز ما في الصحيح عن الجهر بالاستفتاح وغيره أحيانا أنس فهذا مأموم جهر بهذا الذكر بعد التكبير، وقد أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه بذلك، وهذا دليل على جواز الجهر أحيانا في المواضع التي يخافت فيها، وأن الرجل إذا ذكر الله في الصلاة بما هو من جنسها كان حسنا وإن لم يؤمر به. وهذا موافق لجهر أن رجلا جاء إلى الصلاة وقد حفزه النفس، فقال: الله أكبر، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: "أيكم المتكلم بالكلمات؟ لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها". بالاستفتاح. [ ص: 286 ] عمر
وكذلك ما رواه من حديث البخاري رفاعة بن رافع قال: فهذا أيضا جهر من المأموم بالتحميد الذي هو ليس المأمور به، ولكنه من جنس المأمور به، فإن النبي لم ينقل عنه مثله. كنا نصلي وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، فقال رجل وراءه: ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما قضى صلاته قال: "من المتكلم؟ رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها".
وأيضا فالذين ذكروا أنهم صلوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلموا ما كان يفتتح به، وما كان يقوله في ركوعه وسجوده واعتداله، مثل حديث جبير بن مطعم رواه أهل السنن ، وهو حديث حسن. فلولا أنه جهر بذلك لما سمعه يقول ذلك، إلا أن يخبره به بعد الصلاة، ولو أخبره كما أخبر أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فقال: "الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه". لبين ذلك، ولأنه لم يكن ليخبره من غير استخبار عن الاستفتاح وحده دون بقية أذكار الصلاة، إذ لا موجب للتخصيص. أبا هريرة
وكذلك حديث حذيفة وهو حديث صحيح. أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم"، وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى"، [ ص: 287 ] وما أتى على آية رحمة إلا سأل، ولا على آية عذاب إلا تعوذ، وهذا كان في قيام الليل. ، وهذا بين أنه كان يسمع منه ما قاله في ركوعه وسجوده وبين السجدتين، وكذلك دعاؤه عند آية الرحمة والعذاب. فهذا يقتضي جواز الجهر بذلك. وكان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي، رب اغفر لي"
وكذلك حديث ابن أبي أوفى وفي حديث أنه كان إذا رفع ظهره من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد"، : أبي سعيد إلى آخره. وهذا يدل ظاهره على أنهم سمعوا ذلك منه يقوله في الصلاة من غير إخبار منه لهم. "أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد"
وكذلك حديث الذي في الصحيح عائشة وقولها في الصحيح : أنه كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي" يتأول القرآن. وأصرح من ذلك ما رواه [ ص: 288 ] كان يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح". عنها قالت: مسلم إلى آخره. فهذا صريح في أنه جهر بهذا الدعاء في سجوده، حتى سمعت ذلك فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة على الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في السجود وهما منصوبتان، وهو يقول: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك" عائشة.