[ ص: 265 ] بل قال تعالى: والقرآن لم يأمر بقتال البغاة ابتداء، وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون .
وما حرمه الله تعالى من البغي والقتل وغير ذلك إذا فعله الرجل متأولا مجتهدا معتقدا أنه ليس بحرام لم يكن بذلك كافرا ولا فاسقا، بل ولا قود في ذلك ولا دية ولا كفارة، كما قال وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن فهو هدر. وقد ثبت في الصحيح الزهري: قتل رجلا من الكفار بعد ما قال "لا إله إلا الله "، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أسامة بن زيد أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟! " قال: فقلت: يا رسول الله، إنما قالها تعوذا، فقال: "هلا شققت عن قلبه". وكرر عليه قوله: "أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ ". أسامة، ومع هذا فلم يحكم عليه بقود ولا دية ولا كفارة، لأنه كان متأولا اعتقد جواز قتله بهذا. مع ما روي عنه أن . فبين أنك تكون [ ص: 266 ] مباح الدم كما كان مباح الدم، ومع هذا فلما كان أن رجلا قال له: أرأيت إن قطع رجل من الكفار يدي ثم أسلم، فلما أردت أن أقتله لاذ مني بشجرة، أأقتله؟ فقال: "إن قتلته كنت بمنزلته قبل أن يقول ما قال، وكان بمنزلتك قبل أن تقتله " متأولا لم يبح دمه. أسامة
وأيضا فقد ثبت أنه إلى خالد بن الوليد بني جذيمة، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صبأنا صبأنا، فلم يجعل خالد ذلك إسلاما، بل أمر بقتلهم، فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك رفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد"، وأرسل فوداهم بنصف دياتهم. عليا ومع هذا فلم يعاقب أرسل خالدا ولم يعزله عن الإمارة، لأنه كان متأولا. وكذلك فعل به لما قتل أبو بكر مالك بن نويرة، كان متأولا في قتله فلم يعاقبه ولم يعزله، لأن خالدا كان سيفا قد سله الله تعالى على المشركين، فكان نفعه للإسلام عظيما، وإن كان قد يخطئ أحيانا. ومعلوم أن عليا وطلحة أفضل من والزبير خالد وغيرهما. وأسامة
ولما الحسن: "إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين "، فمدح قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن على الإصلاح، ولم يمدح على القتال في الفتنة علمنا أن الله ورسوله كان يحب الإصلاح بين الطائفتين دون الاقتتال. ولما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح في الحسن الخوارج: وقال : "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام [ ص: 267 ] كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة"، وروي : "يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " من "أولى الطائفتين بالحق " وأصحابه- أعلم أن معاوية الخوارج المارقة قتال أهل النهروان الذين قاتلهم كان قتالهم مما أمر الله به ورسوله، وكان علي بن أبي طالب، محمودا مأجورا مثابا على قتاله إياهم. وقد اتفق الصحابة والأئمة على قتالهم، بخلاف علي لقوله - صلى الله عليه وسلم قتال الفتنة، فإن النص قد دل على أن ترك القتال فيها كان أفضل، ومثل -:" ستكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي " "هذا لا تضره الفتنة" لمحمد بن مسلمة: ، فاعتزل قوله الفتنة، وهو من خيار الأنصار، فلم يقاتل لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء. وكذلك أكثر السابقين لم يقاتلوا، بل مثل محمد بن مسلمة ومثل سعد بن أبي وقاص أسامة وزيد وعبد الله بن عمر ولم يكن في العسكرين بعد علي أفضل من وعمران بن الحصين، ولم يقاتل، سعد بن أبي وقاص ولا وزيد بن ثابت، ولا أبو هريرة ولا غيرهما من أعيان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وقد أبو بكرة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهبان بن صيفي: "خذ هذا السيف فقاتل به المشركين، فإذا اقتتل المسلمون فاكسره"، ففعل ذلك ولم يقاتل في الفتنة . [ ص: 268 ]
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: وفي الصحيح عن "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن ". عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أسامة والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرة في إخباره بما سيكون في الفتنة بين أمته، وأمره بترك القتال في الفتنة، وأن الإمساك عن الدخول فيها خير من القتال. "إني لأرى الفتنة تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر".
وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: "سألت ربي لأمتي ثلاثا، فأعطاني اثنين ومنعني واحدا، سألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بسنة عامة، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها".