وأما فهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة الحسين ، وهما ريحانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا، كما ثبت ذلك في الصحيح . وثبت في الصحيح علي وفاطمة والحسن وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا". والحسين، وإن كان أنه أدار كساءه على الأكبر هو الأفضل، لكونه كان أعظم حلما وأرغب في الإصلاح بين المسلمين وحقن دماء المسلمين، كما ثبت في صحيح الحسن عن البخاري قال: أبي بكرة إلى جانبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". والحسن بن علي وفي صحيح رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر [ ص: 259 ] عن البخاري قال: أسامة على فخذه الأخرى، ويقول: "اللهم إني أحبهما، فأحبهما، وأحب من يحبهما". الحسن وكانا من أكره الناس للدخول في اقتتال الأمة. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد
رضي الله عنه- قتل مظلوما شهيدا، وقتلته ظالمون متعدون، وإن كان بعض الناس يقول: إنه قتل بحق، ويحتج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: والحسين- رواه " من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق بين جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف، كائنا من كان ". . فزعم هؤلاء أن مسلم أتى الأمة وهم مجتمعون، فأراد أن يفرق الأمة، فوجب قتله. وهذا بخلاف الحسين فإنه لا يجب قتله، كما لم يقتل الصحابة من يتخلف عن بيعة الإمام ولم يخرج عليه، مع تخلفه عن بيعة سعد بن عبادة أبي بكر وعمر.
وهذا كذب وجهل، فإن رضي الله عنه لم يقتل حتى أقام الحجة على من قتله، وطلب أن يذهب إلى الحسين أو يرجع إلى يزيد المدينة أو يذهب إلى الثغر. وهذا لو طلبه آحاد الناس لوجب إجابته، فكيف لا يجب إجابة رضي الله عنه إلى ذلك وهو يطلب الكف والإمساك؟ [ ص: 260 ] وأما أصل مجيئه فإنما كان لأن قوما من أهل الحسين العراق من الشيعة كتبوا إليه كتبا كثيرة يشتكون فيها من تغير الشريعة وظهور الظلم، وطلبوا منه أن يقدم ليبايعوه ويعاونوه على إقامة الشرع والعدل، وأشار عليه أهل الدين والعلم- كابن عباس وابن عمر وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام- بأن لا يذهب إليهم، وذكروا له أن هؤلاء يغزونه، وأنهم لا يوفون بقولهم، ولا يقدر على مطلوبه، وأن أباه كان أعظم حرمة منه وأتباعا ولم يتمكن من مراده. فظن أنه يبلغ مراده، فأرسل ابن عمه الحسين مسلم بن عقيل، فأووه أولا ثم قتلوه ثانيا، فلما بلغ ذلك طلب الرجوع، فأدركته السرية الظالمة، فلم تمكنه من طاعة الله ورسوله، لا من ذهابه إلى الحسين ولا من رجوعه إلى بلده ولا إلى الثغر. وكان يزيد، لو يجتمع يزيد من أحرص الناس على إكرامه وتعظيمه ورعاية حقه، ولم يكن في المسلمين عنده أجل من بالحسين فلما قتله أولئك الظلمة حملوا رأسه إلى قدام الحسين، فنكت بالقضيب على ثناياه، وكان في المجلس عبيد الله بن زياد، فقال: إنك تنكت بالقضيب حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل. هكذا ثبت في الصحيح ، وفي المسند أن أنس بن مالك كان أيضا شاهدا. فهذا كان أبا برزة الأسلمي بالعراق عند ابن زياد.
وأما حمل الرأس إلى الشام أو غيرها والطواف به فهو كذب، والروايات التي تروى أنه حمل إلى قدام ونكت بالقضيب [ ص: 261 ] روايات ضعيفة لا يثبت شيء منها، بل الثابت أنه لما حمل يزيد وأهل بيته إلى علي بن الحسين وقع البكاء في بيت يزيد لأجل القرابة التي كانت بينهم، لأجل المصيبة. وروي أن يزيد، قال: لعن الله يزيد ابن مرجانة- يعني ابن زياد-، لو كان بينه وبين قرابة لما قتله. وقال: قد كنت أرضى من طاعة الحسين أهل العراق بدون قتل وأنه خير الحسين. بين مقامه عنده وبين الرجوع إلى علي بن الحسين المدينة، فاختار الرجوع، فجهزه أحسن جهاز.
ويزيد لم يأمر بقتل ولكن أمر بدفعه عن منازعته في الملك، ولكن لم يقتل قتلة الحسين، ولم ينتقم منهم، فهذا مما أنكر على الحسين كما أنكر عليه ما فعل بأهل يزيد، الحرة لما نكثوا بيعته، فإنه أمر بعد القدرة عليهم بإباحة المدينة ثلاثا. ولهذا قيل أيؤخذ الحديث عن لأحمد بن حنبل: فقال: لا، ولا كرامة، أوليس هو الذي فعل يزيد؟ بأهل المدينة ما فعل؟ وقيل له: إن قوما يقولون: إنا نحب فقال: وهل يحب يزيد من يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقيل له: أولا تلعنه؟ فقال: متى رأيت أباك يلعن أحدا؟ يزيد،
ومع هذا فيزيد أحد ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات كما لغيره من الملوك، وقد روى في صحيحه عن البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عبد الله بن عمر "أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له ". وأول جيش غزاها كان أميرهم غزاها في خلافة أبيه يزيد، ومعه معاوية، ومات ودفن هناك. أبو [ ص: 262 ] أيوب الأنصاري
ويزيد هذا ليس هو من الصحابة، بل ولد في خلافة وأما عمه عثمان، فهو من الصحابة، وهو رجل صالح، أمره يزيد بن أبي سفيان في فتوح أبو بكر الشام ومشى في ركابه، ووصاه بوصايا معروفة عند الفقهاء يعملون بها، ولما مات في خلافة ولى عمر أخاه عمر مكانه، ثم ولي معاوية فأقره وولاه إلى أن قتل عثمان وولد له عثمان، ابنه في خلافة يزيد عثمان.