وأما قوله: "أريد أن لا أريد، لأني أنا المراد وأنت المريد"، فلا ينبغي أن يفهم من قوله: "أن لا أريد" أن لا تكون لي إرادة، فإن هذا باطل محرم، وإنما أراد أن لا يكون ابتداء الإرادة مني، بل إرادتي تابعة لك لأنك أنت مرادي، فأريد أن لا أريد إلا إياك. وهذا فكان حقيقة قوله: أريد أن لا أعبد إلا إياك، ولا أريد شيئا قط إلا وجهك الكريم، وهذا عين ما أوجبه الله لكل عبد، وهي الإرادة الدينية الشرعية. حقيقة الحنيفية والإخلاص، فإذا كنت لا أريد إلا إياك لم أحب ولا أفعل إلا ما أمرتني به،
وأيضا فقد يقول: أريد ألا تكون لي إرادة إلا ما أمرتني أن أريده، وأردته لي إرادة محبة ورضى، لجهلي وعجزي. وأريد أن أكون عبدا محضا، فلا أريد إلا ما تريده أنت، بحيث يكون المراد المختار أمرا دينيا وقضاء كونيا لا يخالف الأمر الديني. فهذا الكلام يكون إخلاصا وتفويضا، وكلاهما إسلام وجهه لله.
وأيضا فإنه قد يقول هذا في مقام الفناء والاصطلام، إذا غلب على قلبه، حتى غاب به عن شهود نفسه وإرادته، فهو يحب هذا الفناء، لأنه [ ص: 13 ] متى رجع إلى نفسه أرادت بهواها، فهو يريد أن يفنى عن نفسه حتى يكون الحق هو الذي يريد له وبه.
ثم إنه مع الفناء في نوع من الإرادة لله التي هي أعظم الإرادات، لكنه غائب كغيبته عن نفسه مع وجودها. وهذا كله حسن، وإن كان البقاء أفضل ما لم يفض الأمر إلى ترك مأمور به جريا مع الكوني.