فإن كان الميت كافرا فيزار للاعتبار بالموت ولا يدعى له، كما في صحيح وزيارة القبور جائزة على الوجه المأذون فيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: مسلم وإنما زار قبر أمه دون أبيه لأنها كانت على طريقه عام فتح "استأذنت ربي في أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة". مكة، فاجتاز بقبرها عند مكة فزارها، وروي أنه زارها في ألف مقنع، فبكى وأبكى من حوله . وأما أبوه فلم يمر بقبره. [ ص: 123 ]
ولم يأذن ربه له في الاستغفار له لأن الاستغفار إنما يكون للمؤمنين، قال الله تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ، ثم قال: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم . فإن إبراهيم استغفر لأبيه بقوله فيما ذكر الله عنه ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ، ووعده بذلك في قوله: سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا . فشرع له القدوة بإبراهيم إلا في ذلك بقوله: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء .
ولما نهى المؤمنين عن فاحتج بعض الناس الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربى بإبراهيم، فبين سبحانه الجواب بقوله: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ، فإن أباه مات كافرا. ومن قال "إنه مات مؤمنا" من الرافضة الجهال أو غيرهم فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع.
وكذلك أبو النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمه أبو طالب، وفي صحيح مسلم وفي الصحيحين أنه أن [ ص: 124 ] رجلا قال: يا رسول الله! أين أبي؟ فقال: "إن أباك في النار". فلما أدبر دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار". أبا طالب الوفاة دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وعنده أبو جهل وعبد الله بن أمية، فقال: "يا عم! قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله". فقالا: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكان آخر شيء قاله: على ملة عبد المطلب. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"، فأنزل الله تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم . لما حضرت
وفي الصحيح قال: يا رسول الله! عمك الشيخ الضال كان يحوطك ويصنع لك، فهل نفعته بشيء؟ فقال: "وجدته في غمرة من النار، فشفعت فيه، فجعل في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار"، العباس أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. أن
وهذه الأحاديث الصحيحة توافق ما اتفق عليه أئمة المسلمين في أنه مات كافرا، وتبين كذب من ادعى من الجهال الرافضة وغيرهم أنه مات مؤمنا. ويحتج بما ذكر في "السيرة" من أنه جعل يهمهم عند الموت، وأن ابن إسحاق قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنه قد قال الكلمة التي تطلبها أو نحو ذلك. فإن الذي في الصحيح بين أن العباس لم [ ص: 125 ] يكن حاضرا، وأن العباس علم أنه مات ضالا، وأنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل نفعه نصره لك مع كفره، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك نفعه، بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في تخفيف العذاب لا في رفعه، ولو كان قد مات على الإيمان لم يكن في العذاب، ولم ينه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستغفار له، ولقرن ذكره بذكر العباس حمزة ولكان قد صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وابنه والعباس، بل الاستغفار للمنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر غير نافع لهم ولا جائز إذا علم حالهم، كما قال تعالى: علي. سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ، وقال تعالى: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون .