ففي الجملة الحاجة إلى التقويم في الأموال حاجة عامة ، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة ، وذلك لا يكون إلا إذا كان هناك ثمن تقوم به الأشياء وتعتبر ، وذلك إنما يكون إذا كان ذلك الثمن باقيا على حال واحدة لا تزداد فيه القيمة ولا تنقص . [ ص: 287 ]
وقد حرم فيهما لما فيه من الضرر كما تقدم ، ولو أبيح ربا النساء ، مثل أن يبيعوا دراهم بدراهم أكثر منها ، مثل أن يكون محتاجا إلى دراهم خفافا وأنصافا ومكسرة فيشتريها ، فلا يبيعه الصيرفي إلا بفضل باق يأخذ منه من الصحاح أكثر من وزنها صار ذلك تجارة في الثمن ، ومتى اتجروا فيها نقدا تذرعوا إلى التجارة فيها نسيئة . ولو أبيحت التجارة في الأثمان مثل أن يبيع دراهم بدراهم إلى أجل ، لصارت الدراهم سلعة من السلع ، وخرجت عن أن تكون أثمانا ، فحرم فيها ربا الفضل ، لأنه يفضي إلى ربا النساء ، وربا النساء فيها يضر وإن اختلفت بالصفات ، لأنه يخرجها عن أن تكون أثمانا . ربا الفضل
وإذا وقعت فيها التجارة قصدت صفاتها ، فيقصد كل واحد ادخار ما يرتفع ثمنه في وقت ، كما يصنعون بالدراهم إذا كانت نقودا ينقون خيارها ، وكما يصنعون بالفلوس أحيانا . وهذا كله مما نهي عنه في الأثمان ، فالأثمان المتساوية متى جعل بعضها أفضل من بعض حصل الفساد ، بل لا بد أن لا تقصد لأعيانها ، بل يقصد التوسل بها إلى السلع . والناس كلهم يشتركون في التوسل بها ، وهي دائرة بين الناس بمنزلة العلامة ، ولهذا في بعض البلاد يتخذون أثمانا من نوع آخر ، وهذا معنى معقول في الأثمان مختص بها ، فلا يتعدى إلى النحاس والحديد والقطن والكتان ؛ فإنه لا فرق بين تلك وبين غيرها ، بل المطعومات أشرف منها .