ثم اتفق الناس على التي جاءت بها الأحاديث ، وهي من أفراد تحريم ربا الفضل في الأعيان الستة من حديث مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عبادة » . [ ص: 285 ] «الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا حيث شئتم إذا كان يدا بيد
وتنازعوا فيما سوى ذلك على أقوال :
فطائفة لم تحرم ربا الفضل في غيرها ، وهذا مأثور عن ، وهو قول أهل الظاهر ، قتادة في آخر مصنفاته رجح هذا القول مع كونه يقول بالقياس ، قال : لأن علل القياس في مسألة الربا علل ضعيفة ، وإذا لم يظهر فيه علة امتنع القياس . وابن عقيل
وطائفة ، كما روي عن حرمته في كل مكيل وموزون ، وبه أخذ عمار بن ياسر في المشهور عنه ، وهو قول أحمد بن حنبل وغيره . أبي حنيفة
كقول وطائفة حرمته في الطعام وإن لم يكن مكيلا وموزونا ، الشافعي في رواية . وأحمد
، وهذا قول وطائفة لم تحرمه إلا في المطعوم إذا كان مكيلا أو موزونا سعيد بن المسيب في قول والشافعي في الرواية الثالثة ، اختارها وأحمد الشيخ أبو محمد ، وهو قريب من قول مالك : القوت وما يصلح القوت . وهذا القول أرجح الأقوال .
وقد حكي عن بعض المتأخرين أنه يحرم في جميع الأموال ، لكن هذا ما علمت به قائلا من المتقدمين .
فنقول : أما الدراهم والدنانير فالعلة فيهما الثمن ، بدليل أنه يجوز [ ص: 286 ] إسلافها في الموزونات من النحاس وغيره ، ولو كان الربا جاريا في النحاس لم يبع موزون بموزون إلى أجل ، كما لا يباع تمر بحنطة ودراهم بدنانير إلى أجل ، وهم يسلمون أن هذا خلاف القياس ، والعلة إذا انتقضت من غير فرق علم أنها علة باطلة . وأيضا فالتعليل بكونه موزونا أو مطعوما علل ليس فيها ما يوجب الحكم ، بل طرد محض ، كما بسط في غير هذا الموضع .
ولكن الدراهم والدنانير هي أثمان المبيعات ، والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال ، فيجب أن يكون محدودا مضبوطا ، لا ترفع قيمته ولا تنخفض ؛ إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات ، بل الجميع سلع ، والحاجة إلى أن يكون للناس ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة عامة ، فإنه قد يحتاج إلى بيع ثمن بغير إذن صاحبه ، فلا يباع إلا بثمن المثل ، كتقويم الشقص على من أعتق نصيبه . والناس يشترون بالسعر شراء عاما ، فإن لم يكن سعر لم يعرف ما لبعضهم عند بعض ، وقد يقومون بينهم عروضا وغيرها ممن لا تعدل فيه الأنصباء إلا بالقيمة .