مسألة: قال شيخنا أبو العباس رضي الله عنه:
فصل
والتفضيل في الأشخاص والقبائل والأعمال والطرائق والأئمة قد يكون من مورد الاجتهاد، كالتنازع في الوجوب والتحريم بطريق الأولى. فإذا كان التنازع في الأمر والنهي قد يكون مجتهدا فيه، فلأن يكون التنازع في التفضيل من موارد الاجتهاد أولى وأحرى.
وعلى [كل] واحد من المتنازعين أن ينصف ما يعتقده أنه مفضول، فأما أن يكون مع التفضيل يترك ما يجب للمفضول من الحق فهذا ظلم وتفرق واختلاف، وإنما نشأت الفتنة لأن النفوس مجبولة على طلب الأعلى والأفضل. وقد كتبت قبل هذا مواضع من القواعد: أن أكثر التفضيل الذي في ذوي الديانات العادية إنما هو من عداوة [ ص: 494 ] وهوى، لا عن علم وعدل، وأن ذلك يخرجهم إلى أنواع من الظلم والتفرق والاختلاف.
وإن كثيرا مما يتنازع الناس فيه من التفضيل قد يكون الحق فيه استواء الأمرين من غير رجحان لأحدهما على صاحبه. وأن حكم الشريعة في ذلك جواز اتباع ذلك كله، وأن لا ينهى أحد عن شيء.
من ذلك: حروف القرآن والذكر والدعاء المشروع، وهذا هو الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم من وقال: « اقرآ فكلاكما محسن» كما ثبت في « الصحيحين» عن تنازعهم في حروف القرآن، قال: ابن مسعود سمعت رجلا قرأ وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافه فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهة فقال: « كلاكما محسن فلا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا».
* * *