[ ص: 272 ] مسألة في تفسير قوله تعالى: أينما تكونوا يدرككم الموت ...
وتفسير آيات أخرى [ ص: 274 ] بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة من كلام شيخ الإسلام وقدوة الأنام، تقي الدين -عرف بابن تيمية- في أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة [النساء: 78]. قول الله تعالى:
الجواب:
الحمد لله.
قوله تعالى: أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة نزلت في سياق الأمر بالجهاد والترغيب فيه، قال تعالى: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة الآية [النساء: 77 - 78].
فأخبر -سبحانه- أن كل أحد لا بد أن يموت، ولو كان في بروج مشيدة، ولا ينفع الفرار من الموت والجهاد.
ثم قال: وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله [النساء: 78]. كان المنافقون إذا [ ص: 276 ] أصابهم نصر ورزق يقولوا: هذا من عند الله، وإن أصابتهم محنة تنقص في الرزق أو تخوف من العدو قالوا: هذه من عندك يا محمد بشؤم الذي جئت به، فإنك أمرتنا بمعاداة الناس وغير ذلك مما يوجب الضرر; فقال الله تعالى: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا أي: لا يفقهون القرآن الذي أرسلت به، وما فيه من الخير والهدى والشفاء والبيان، وأنه لا شر فيه.
ثم قال تعالى: ما أصابك من حسنة أي: من نصر ورزق ونحو ذلك فمن الله نعمة أنعم بها عليك. وما أصابك من سيئة من خوف ونقص رزق واستيلاء عدو فمن نفسك أي: بذنبك، كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [الشورى: 30]. وقال تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [الأنفال: 33]. وقال تعالى: أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم [الأنفال: 33] ونحو ذلك.
فالمراد بالسيئات والحسنات هنا: النعم والمصائب، كما قال [ ص: 277 ] تعالى: وبلوناهم بالحسنات والسيئات [الأنفال: 33]. وكما قال: إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها [آل عمران: 120]، والله أعلم.
* * *