[ ص: 260 ] [ ص: 262 ] بسم الله الرحمن الرحيم مسألة فيمن يقول: إن علي بن أبي طالب أولى بالأمر من أبي بكر وعمر
ولا حول ولا قوة إلا بالله
مسألة سئل عنها شيخ الإسلام ومفتي الأنام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية -رضي الله عنه- فيمن يقول: إن أولى بالأمر من علي بن أبي طالب أبي بكر -رضي الله عنهما- وأنهما لم يلياه إلا مغالبة. هل هو مصيب أم مخطئ؟ وماذا يجب على من يعتقد ذلك؟ وعمر
الجواب: الحمد لله رب العالمين، بل هذا القائل مخطئ مبتدع ضال، مخالف لكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجماع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، بل هو مفتر افتراء ظاهرا، يعرف كذبه فيه علما ضروريا بالنقل المتواتر، وبغير ذلك من الأدلة.
بل إذا قال مثل هذا القول في عثمان كان مفتريا ضالا زاريا على المهاجرين والأنصار، بل على أمة وعلي محمد مطلقا.
قال أيوب السختياني، وأحمد بن حنبل، وغيرهم: من قدم عليا على والدارقطني، فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. فكيف من [ ص: 264 ] قدمه على عثمان أبي بكر فكيف بمن طعن في خلافة وعمر؟ فكيف بمن طعن في خلافة عثمان؟ أبي بكر وعمر؟!
ولم يكن أحد من سلف الأمة -لا من شيعة ولا غيرهم- يطعنون في خلافة أحد من الثلاثة، لكن أنكر بعضهم على علي بعض الأشياء في آخر خلافته; فأما السنة الأولى من خلافته فلم ينكروا عليه شيئا. عثمان
ولم يكن بين الشيعة الأولى نزاع في تقديم أبي بكر على وعمر علي وإنما كان يتنازع بعضهم في وعثمان، وعلي. عثمان
وقد روي [من] أكثر من ثمانين وجها عن -رضي الله عنه- أنه قال: « علي بن أبي طالب ثم أبو بكر عمر». [ ص: 265 ] خير هذه الأمة بعد نبيها
وقد رواه في « صحيحه» من حديث البخاري أنه قال لأبيه محمد بن الحنفية يا أبت، من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: علي بن أبي طالب: قال: ثم من؟ قال: أبو بكر. عمر.
وهذا روته همدان -وهم من شيعة عن ابنه علي- أن أباه قاله له. فامتنع أن يكون قال ذلك تقية لابنه، مع أن الله قد نزهه عن الكذب والنفاق الذي تسميه الرافضة: تقية! محمد بن الحنفية:
بل قال: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر إلا جلدته حد المفتري. ولا يجلد ظهر المسلم إذا قال الصدق، وأسماه مفتريا. وعمر
وظهور أبي بكر على غيرهما في العلم والدين، والشجاعة والكرم أظهر من أن تحتاج إلى بسط عند من كان له أدنى خبرة بأحوال القوم. وعمر ولهذا اتفق العلماء المعتبرون على أن فضيلة أعلم الأمة وأدينها وأشجعها وأكرمها، لكن وقعت لبعضهم شبهة في عثمان وعلي لتقاربهما. أبا بكر
وقد أجمع السلف على تقديم فإنه قد ثبت في « صحيح عثمان. وغيره خبر مقتل البخاري» وجعله الأمر شورى في ستة [ ص: 266 ] وتقديمهم عمر، وهذا مما تواتر عند الخاصة والعامة. وقد رواه عثمان. وغيره مفصلا. البخاري
وملخصه: أن جعل الخلافة شورى في ستة; عمر عثمان وعلي، وطلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف ولم يدخل فيها ابنه وسعد بن أبي وقاص، عبد الله ولا ابن عمه مع أنه من العشرة المشهود لهم بالجنة. فلما دفن سعيد بن زيد، اجتمع الستة في المسجد، فقال عمر طلحة: ما كان لي من هذا الأمر فهو وقال لعثمان. الزبير: ما كان لي من هذا الأمر فهو وقال لعلي. سعد: ما كان لي من هذا الأمر فهو يخرج أحدنا ويولي أحد الرجلين، وعليه عهد الله وميثاقه أن يولي أفضلهما، فسكت عثمان وعلي، فقال لعبد الرحمن بن عوف، عبد الرحمن: أنا أخرج وعلي عهد الله وميثاقه أن أولي أفضلهما، فرضيا بذلك وبقي عبد الرحمن ثلاثة أيام بلياليهما يشاور الأمة. وكان بالمدينة خيار الأمة من المهاجرين والأنصار وأمراء الأمصار.
قال طرقني المسور بن مخرمة: عبد الرحمن بعد ثلاث فقال: وإنك لنائم! إن لي ثلاثا ما اغتمضت بنوم، ثم قال: ادع لي فدعوته فناجاه طويلا، ثم قال: ادع لي عليا، فدعوته، فناجاه طويلا، ثم لما صلوا الفجر بعد ثلاث حلف عثمان، قال صهيب عبد الرحمن: إني قد شاورت الناس حتى الأعراب والعذارى في خدورهن، فرأيتهم لا يعدلون [ ص: 267 ] فبايعه بعثمان، علي وعبد الرحمن وسائر الصحابة بيعة طوع واختيار، بعد مشاورة واتفاق، لا بسوط ولا نوط ولا بذل عطاء.
فإن لم يكن هو الأولى بالخلافة وقدموا غيره، كانوا إما جاهلين بحق الأفضل، وإما ظالمين بتولية من غيره أولى بالخلافة، كيف وفي الحديث الذي رواه عثمان في « صحيحه»: « الحاكم أنه من قلد رجلا عملا على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين».
وقد ثبت بالنصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».
وهذه القصة كانت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ببضع عشرة سنة، فذلك القرن الأول الذي هو أفضل قرون هذه الأمة، وقدموا عثمان، فإن كانوا مخطئين أو ظالمين كان خيار هذه الأمة مخطئين في الإمامة أو ظالمين فيها.
والرافضة تقول: إنما قدموا غيره لأحقاد جاهلية وأضغان كانت في القلوب عليه لأجل جهاده في سبيل الله. فإن كانوا كذلك فهم من [ ص: 268 ] [شر] الخلق، وإذا كان خير هذه الأمة كذلك لم تكن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، بل تكون هذه الأمة من شرار الأمم! وهذا حقيقة قول الرافضة، وهذا خلاف ما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع.