ومعلوم أنه وإن كان بعد خروج الوقت فلا إعادة عليهم، فهذا المسيء الجاهل إذا علم وجوب [ ص: 114 ] الطمأنينة في أثناء الوقت، فوجبت عليه الطمأنينة حينئذ، ولم تجب عليه قبل ذلك، فلهذا أمره بالطمأنينة في الصلاة ذلك الوقت دون ما قبلها. لو بلغ صبي أو أسلم كافر أو طهرت حائض أو أفاق مجنون والوقت باق; لزمتهم الصلاة أداء لا قضاء،
وكذلك أمره لمن صلى خلف الصف أن يعيد، ولمن ترك لمعة من قدمه أن يعيد الوضوء والصلاة.
وقوله له أولا: « بين أن ما فعله لم يكن صلاة، ولكن لم يعرف أنه كان جاهلا بوجوب الطمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداء، ثم علمه إياها لما قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا. صل فإنك لم تصل»
فهذه نصوصه صلى الله عليه وسلم في محظورات الصلاة والصيام والحج مع الجهل، وفي ترك واجباتها مع الجهل.
وأما أمره لمن صلى خلف الصف أن يعيد; فذلك لأنه لم يأت بالواجب مع بقاء الوقت. فثبت الوجوب في حقه حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم لبقاء وقت الوجوب، لم يأمره بذلك بعد مضي الوقت.
وأما أمره لمن ترك لمعة من رجله لم يصبها الماء بالإعادة; فلأنه كان ناسيا، فلم يفعل الواجب، كمن نسي الصلاة وكان الوقت باقيا، فإنها قضية معينة لشخص بعينه، لا يمكن أن تكون في الوقت وبعد الوقت، بمعنى أنه رأى في رجل رجل لمعة لم يصبها الماء، فأمره أن [ ص: 115 ] يعيد الوضوء والصلاة.
وأما قوله: « ويل للأعقاب من النار» ونحوه، فإنما يدل على وجوب تكميل الوضوء، ليس في ذلك أمر بإعادة شيء.
ومن كان يعتقد أن الصلاة تسقط عن العارفين، أو المشايخ الواصلين، أو عن بعض أتباعهم، أو أن الشيخ يصلي عنهم، أو أن لله عبادا سقطت عنهم الصلاة، كما يوجد كثير من ذلك في كثير من المنتسبين إلى الفقر والزهد، وأتباع بعض المشايخ، ودعوى المعرفة، فهؤلاء يستتابون باتفاق الأئمة، فإن أقروا بالوجوب وإلا قتلوا، وإذا أصروا على جحد الوجوب حتى قتلوا، كانوا مرتدين، ومن تاب منهم وصلى لم يكن عليه إعادة ما ترك قبل ذلك في أظهر قولي العلماء، فإن هؤلاء إما أن يكونوا مرتدين وإما [أن] يكونوا مسلمين جاهلين بالوجوب. [ ص: 116 ]
فإن قيل: [إنهم مرتدون عن الإسلام، عند جمهور العلماء، كما لا يقضي الكافر إذا أسلم ما ترك حال الكفر باتفاق العلماء، ومذهب فالمرتد إذا أسلم لا يقضي ما تركه حال الردة مالك وأبي حنيفة في أظهر الروايتين عنه، والأخرى يقضي المرتد، كقول الشافعي، والأول أظهر. وأحمد
فإن الذين ارتدوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة معه أنزل الله فيهم: كالحارث بن قيس، كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم [آل عمران: 86] الآية، والتي بعدها، وكعبد الله بن أبي سرح، والذين خرجوا مع الكفار يوم بدر، وأنزل فيهم: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم [النحل: 110] فهؤلاء عادوا إلى الإسلام.
وعبد الله بن أبي سرح عاد إلى الإسلام عام الفتح، وبايعه النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يأمر أحدا منهم بإعادة ما ترك حال الكفر في الردة، كما لم يكن يأمر سائر الكفار إذا أسلموا. وقد ارتد في حياته خلق كثير اتبعوا الأسود [ ص: 117 ] العنسي الذي تنبأ بصنعاء اليمن، ثم قتله الله، وعاد أولئك إلى الإسلام، ولم يؤمروا بالإعادة. وتنبأ مسيلمة الكذاب، واتبعه خلق كثير، قاتلهم والصحابة بعد موته حتى أعادوا من بقي منهم إلى الإسلام، ولم يأمر أحدا منهم بالقضاء، وكذلك سائر المرتدين بعد موته. الصديق
وكان أكثر البوادي قد ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام، ولم يأمر أحدا منهم بقضاء ما ترك من الصلاة. وقوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال: 38] يتناول كل كافر.
وإن قيل: إن هؤلاء لم يكونوا مرتدين، بل جهالا بالوجوب، وقد تقدم أن الأظهر في حق هؤلاء أنهم يستأنفون الصلاة على الوجه المأمور، ولا قضاء عليهم. فهذا حكم من تركها غير معتقد لوجوبها.