(ثم قال) : والأدلة على فساد مثل هذه المعاملة كثيرة.
(ثم قال بعد استدلال وتنفير عن هذا الفعل وتقبيحه) :
القول الثاني في أصل المسألة: إنه إن كان منفعة الأرض هي المقصود، والشجر تبع، جاز أن يؤجر الأرض، ويدخل في ذلك الشجر تبعا. وهذا مذهب مالك، وهو يقدر التابع بقدر الثلث.
وصاحب هذا القول يجوز من ما يدخل ضمنا وتبعا، كما جاز بيع الثمر قبل بدو الصلاح كما ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والمبتاع هنا قد اشترى الثمر قبل بدو صلاحه لكن تبعا للأصل، وهذا جائز باتفاق العلماء، فيقيس ما كان تبعا في الإجارة على ما كان تبعا في البيع. إذا ابتاع نخلة بعد أن تؤبر أن يشترط المبتاع ثمرتها،
والقول الثالث: إنه يجوز ضمان الأرض والشجر جميعا، وإن كان الشجر أكثر. وهذا قول وهو المأثور عن أمير المؤمنين ابن عقيل، رضي الله عنه، فإنه قبل حديقة عمر بن الخطاب ثلاث سنين، وأخذ القبالة فوفى بها دينه. روى ذلك أسيد بن حضير صاحب حرب الكرماني في "مسائله " المشهورة عن الإمام أحمد ورواه أحمد، وغيرهما، وهو معروف عن أبو زرعة الدمشقي والحدائق التي عمر. بالمدينة يغلب عليها الشجر. [ ص: 409 ]
قال ثنا حرب الكرماني: ثنا سعيد بن منصور، عباد بن عباد، عن عن أبيه أن هشام بن عروة، توفي وعليه ستة آلاف درهم دين، فدعا أسيد بن حضير غرماءه، فقبلهم أرضه سنين، وفيها الشجر والنخل. عمر بن الخطاب
وقد ذكر هذا الأثر عن بعض المصنفين من فقهاء عمر ظاهرية المغرب، وزعم أنه خلاف الإجماع. وليس بشيء، بل ادعاء الإجماع على جواز ذلك أقرب، فإن فعل ذلك عمر بالمدينة النبوية بمشهد من المهاجرين والأنصار، وهذه القضية في مظنة الاشتهار، ولم ينقل عن أحد أنه أنكرها، وقد كانوا ينكرون ما هو دونها وإن فعله كما أنكر عليه عمر، وغيره ما فعله في متعة الحج. وإنما هذه القضية بمنزلة توريث عمران بن حصين لامرأة عثمان بن عفان التي بتها في مرض موته، وأمثال هذه القضية. عبد الرحمن بن عوف
والذي فعله هو الصواب، أو إذا تدبر الفقيه أصول الشريعة، تبين له أن مثل هذا الضمان ليس داخلا فيما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يظهر بأمور: عمر بن الخطاب
أحدها أن يقال: معلوم أن ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما الأرض يمكن فيها الإجارة، ويمكن فيها بيع حبها قبل أن يشتد، لم يكن ذلك نهيا عن إجارة الأرض، فإن كان مقصود [ ص: 410 ] المستأجر هو الحب فإن المستأجر هو الذي يعمل في الأرض حتى يحصل له الحب، بخلاف المشتري، فإنه يشتري حبا مجردا، وعلى البائع تمام خدمته حتى يستحصد. نهى عن بيع الحب حتى يشتد
وكذلك نهيه عن بيع العنب حتى يسود ، ليس نهيا عن أن يأخذ الشجر، فيقوم عليها ويسقيها حتى تثمر، وإنما النهي لمن اشترى عنبا مجردا، وعلى البائع خدمته حتى يكتمل صلاحه، كما يفعله المشترون للأعناب التي تسمى الكروم. ولهذا كان هؤلاء لا يبيعونها حتى يبدو صلاحها، بخلاف التضمين.
الوجه الثاني: أن كالمساقاة على الشجر، وكلاهما جائز عند فقهاء الحديث، المزارعة على الأرض وغيره مثل كأحمد ابن خزيمة وابن المنذر، وهي أيضا عند ابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد وعند وغيرهم من الأئمة جائز، كما دل على جواز المزارعة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الصحابة من بعده. الليث ابن سعد
والذين نهوا عنها ظنوا أنها من باب الإجارة، فتكون إجارة بعوض مجهول، وذلك لا يجوز. طرد قياسه، فلم يجوزها بحال. وأبو حنيفة
وأما فاستثنى ما تدعو إليه الحاجة، كالبياض إذا دخل تبعا للشجر في المساقاة. وكذلك الشافعي لكن راعى القلة والكثرة على أصله. مالك،
وهؤلاء جعلوا المضاربة أيضا خارجة عن القياس، ظنا أنها من [ ص: 411 ] باب الإجارة بعوض مجهول، وأنها جوزت للحاجة لأن صاحب النقد لا يمكن إجارته.