وليس في الأدلة الشرعية ما يوجب أن الإجارة لا تصح إلا في منفعة تمنع انفساخ الإجارة فيها، بل يجوزبالكتاب والسنة والإجماع، مع جواز أن تموت المرأة فتنفسخ الإجارة بالإجماع، وكذلك إذا مات الطفل انفسخت عند الأكثرين، وهو ظاهر مذهب إجارة الظئر للرضاع الشافعي وقد قيل: لا تنفسخ، بل يؤتى بطفل آخر مكانه. والأول أصح، لأن الإجارة على عينه، ولو تلفت العين المؤجرة كالعبد والبعير انفسخت الإجارة بالإجماع. وأمثال ذلك كثيرة. وأحمد،
فالإجارة جائزة بالنص والإجماع في مواضع متعددة، مع إمكان انفساخ الإجارة في أثناء المدة، فمن اشترط فيها امتناع الانفساخ فقد خالف النص والإجماع. وليس مع من يقول: لا تصح نقل عن أحد من العلماء الذين يفتي الناس بأقوالهم، لا من أتباع الأئمة الأربعة ولا غيرهم، فكيف يسوغ لأحد أن يقول قولا لم يسبق إليه؟ سواء كان مجتهدا أو مقلدا. وغاية حجته قياس ذلك بالعارية لكونها بعرض الانفساخ، والحكم في العارية بتقدير تسليمه ليست علته كونه بعرض الانفساخ، ولكن العلة فيه أن المستعير لا يملك المنفعة إلا بالقبض والاستيفاء، ليس له أن يعاوض عليها، كما لا يعاوض على ما لم يملكه، لأن التبرعات لا تملك إلا بالقبض عند من قال ذلك. ولهذا يجوز إجارة المستأجر وإن جاز أن تنفسخ الإجارة، والمقطع [ ص: 404 ] بالمستأجر والموقوف عليه أشبه منه بالمستعير، لأنه يأخذ حقه وعوض عمله. إجارة الإقطاع
فإن قلت: كيف يدعى الإجماع وفي أصل الإجارة نزاع؟
قلت: النزاع المحكي فيها عن بعض السلف في إجارة الأرض، وأما إجارة الظئر والحيوان للركوب ونحو ذلك فلم يخالف في ذلك أحد من سلف المسلمين، فإن خالف في ذلك أحد من الملاحدة فهو مسبوق بالإجماع المستند إلى النص. والله أعلم.