وأيضا فإنه - صلى الله عليه وسلم - قد ثبت عنه أنه قال للجن: ، [ ص: 387 ] [و] قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم" . فماذا كان لم يبح للجن المؤمنين من الطعام الذي يصلح للجن- وهو ما يكون على العظام- إلا الطعام الذي ذكر اسم الله عليه، فكيف بالإنس الذين هم أكمل وأعقل، وهم الذين يتولون تذكية الحيوان، كيف يباح لهم ما لم يذكر اسم الله عليه؟ وهذا كما أنه لما نهى عن "لا تستنجوا بهما، فإنهما زاد إخوانكم من الجن " كان النهي عن الاستنجاء بطعام الإنس وعلف دوابهم أولى وأحرى. الاستنجاء بطعام الجن وعلف دوابهم،
وأيضا ففي صحيح وغيره عن البخاري عائشة إن قوما يأتونا باللحم، لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا، فقال: "سموا عليه اسم الله وكلوا". قال: وكانوا حديثي عهد بكفر. أن ناسا قالوا: يا رسول الله،
وهذا يدل على أنه كان قد استقر عند المسلمين أنه لا بد من ذكر اسم الله على الذبح، كما بين الله ذلك لهم هو ورسوله في غير موضع، فلما كان هؤلاء حديثي عهد بالكفر خافوا أن لا يكونوا سموا، فاستفتوا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمرهم أن يسموا هم ويأكلوا. وذلك لأن من أباح الله ذبيحته من مسلم وكتابي لا يشترط في حل ذبيحته أن أعلم أنه بعينه قد سمى، إذ العلم بهذا الشرط متعذر في غالب الأمر، ولو كان هذا العلم شرطا لما أكل اللحم غالب الناس، فأجريت أعمال الناس على الصحة، كما أن من اشتريت منه الطعام حملت أمره على الصحة، وأنه إنما باع ما له بيعه بملك أو ولاية أو وكالة، مع أن كثيرا من الناس [ ص: 388 ] يبيعون ما لا يجوز لهم بيعه.