[ ص: 242 ] وقد تكلمت على مسألة التحسين والتقبيح العقلي وعلى مسألة في غير هذا الموضع بما يوقف مريد الحق على حقيقة الأمر إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولم يكن الغرض هنا ذكر هذا، وإنما بينا ذلك لاتصال الكلام به، لأنه بسبب كون الظلم في النفوس عامة مستلزما لاحتراز المظلوم من الظلم، وكون الحق مستلزما لنفع المستحق، ولم يهتد أكثرهم إلى كون عبادة الله وحده حقا له، وكون الشرك ظلما في حقه. تنزيه الرب عن الظلم
ثم اضطربوا في وجه التكليف وجنسه، فزعمت المعتزلة ونحوهم ممن يتكلم في التعديل والتجويز أن ذلك لما فيه من تعريض المكلف للنفع الذي لا يحصل بدونه، وكان هذا الكلام من اللغو بين الناس بطلانه من وجوه كثيرة. هذا مع أنهم يوجبون شكره بدون التكليف الشرعي، وهذا تناقض بين.
وقال آخرون من المنتسبين إلى السنة: إن ذلك محض المشيئة وصدق الإرادة، وهذا الإطلاق غالب على أهل السنة الظاهرين من فقهاء أهل السنة ومتكلميهم، ومعلوم أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لكن لا ينكر العاقل ما في خلقه وأمره من أنواع الحكمة والمصالح لخلقه، بل إخلاء الوجود من الوجوه التي فيها المناسبة لأحكامها من الظلم، فقد سلمت الشريعة لبابها وحرر الفقه في الدين صاحبه، ولم يفهم المعارض كون السنة التي سنها الرسول هي [ ص: 243 ] الحكمة، وأن الله أنزل عليه الكتاب والحكمة.
ثم من تدبر قوله: إن الله لا يأمر بالفحشاء وقوله: إن الشرك لظلم عظيم وقوله: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون علم أنه يستحق أن يعبد، وأن في الشرك والفواحش ما يوجب قبحها وقبحه وتحريمه، "أتدري ما حق الله على عباده " وظهر له الفرق بين ما اتفقت عليه الرسل من الأمر الذي لا يقبل النسخ، مثل الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح الذي أصله عبادة الله وحده لا شريك له، وما فيه من تحريم قتل النفس بغير حق والزنا والكذب والظلم وغير ذلك مما أنزل الله فيه السور المكية المشتملة على أصول الدين، وما شرعت فيه شرائع الرسل مثل صفة العبادات وأقدارها ومقادير العقوبات وأنواعها وغير ذلك مما أنزله الله في السور المدنية، وأنزل فيها ما جعله لأهل القرآن من الوجهة والشرعة والمنهاج والمنسك، وفضلهم بذلك على سائر الأمم. والحمد لله الذي أكمل لنا ديننا وأتم علينا نعمته ورضي لنا الإسلام دينا. [ ص: 244 ] وقوله: