فصل
ومن المعلوم أن كما قد ذكر الله ذلك في كتابه، وتكلمنا على ذلك في مواضع متعددة. الشرك ظلم عظيم، بل هو أعظم الظلم، والإسلام هو التوحيد لله، وهو أصل العدل والقسط، ولو لم يكن فيه إلا الاستكبار على بعض الناس، فإن أدنى ما فيه تفضيل نفسه على نظيره بغير حق، ولقصده العلو على غيره يجحد الحق ويغمط الخلق، فلهذا يوجد في الناس آحادهم وأممهم أن كل من كان أعظم تحقيقا للإسلام كان أبعد عن الشرك والكبر، وكل من كان أبعد عن الإسلام كان أقرب إلى الشرك والكبر، فإن الإسلام هو أن يستسلم العبد لله رب العالمين، فلا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا يستكبر عن عبادته وطاعته وطاعة رسله التي جماعها العدل، كما قال تعالى: والاستكبار أيضا من أعظم الظلم، لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب [ ص: 231 ] والميزان ليقوم الناس بالقسط ، وقال: قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد . ولهذا أمر الله رسوله أن يقول لأهل الكتاب: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله الآية .
فالإسلام يتضمن العدل، وهو التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المتفاضلين من المخلوقات، إذ ذلك من الإسلام لله رب العالمين وحده، فإنه إذا كان الدين كله لله وكانت كلمة الله هي العليا كان الله يأمر بالعدل وينهى عن الظلم. وأصل العدل هو القسط، والقسط هو الإقساط في حق الله تعالى بأن لا يعدل به غيره ولا يجعل له شريك، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: . فإذا لم يسلموا له بل عدلوا به غيره كان ذلك ظلما عظيما، وإذا فعلوا هذا الظلم في حق الله فهم في حقوق العباد أظلم، والتسوية بين المتفاضلين ظلم، كما أن التفضيل بين المتماثلين ظلم، والشرك من نوع الأول كما قال تعالى: "حق الله على عباده أن يعبدوه لا يشركون به شيئا" إذ نسويكم برب العالمين ، والاستكبار قد يكون من نوع الثاني، والإسلام يتضمن العدل كله، كما أنه ينافي الشرك والكبر. [ ص: 232 ]