ويقال لكم أيضا: النافع من الخلق يختلف حاله، بين ما قبل أن ينفع وبعد ما ينفع، فيكسب نفسه بذلك صفة كمال له، يدرك ذلك من نفسه، ويدرك ذلك الخلق منه، كما قال الله تعالى: فنفس السخي الجواد أكمل وأشرف وأعظم من نفس البخيل الجبان، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ، وقال: فأما من أعطى واتقى وصدق [ ص: 54 ] بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ، ونظائره في الكتاب والسنة كثيرة.
ويقال لكم: إذا كان المقصود مجرد النفع، والفاعل قادر، فهلا حصل؟ ففي انتفائه في صور كثيرة وحصول الضرر دليل على أن هناك مقصودا آخر.
ويورد عليهم ما في المخلوقات من أنواع المضار، وما في المأمورات من ذلك، وقد عرف اعتذارهم عن ذلك، وما فيه من التناقض والفساد.
ويقال لهم: ما الموجب لما وقع من أنواع المضرات بالكفار والفساق؟ إذا كان المقصود نفعهم بالتكليف، وهم لم يقبلوا هذا النفع، فما الموجب لمقابلتهم بأنواع من العقاب والسخط والمقت إذا لم يصدر منهم إلا مجرد عدم قبول نفعهم؟ لولا أن هناك أسبابا أخرى وحكمة أخرى لم يعلموها، ولم يتكلموا بها، فهذا هذا.