وقد جاء في أحاديث في الصحاح والسنن تبين ما ذكرناه : فضائل الرباط
فروى في صحيحه البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها" سهل بن سعد . عن
وفي صحيح مسلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات فيه جرى عليه [عمله] الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتان" سلمان الفارسي . عن
وفي السنن فضالة بن عبيد قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ميت يموت إلا ختم عليه عمله إلا من مات مرابطا في سبيل الله ، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ، ويؤمن من فتنة القبر" رواه عن أحمد وهذا لفظه وأبو داود بمعناه . وزاد : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : والترمذي قال "المجاهد [من جاهد] نفسه في طاعة الله" : حسن صحيح . [ ص: 364 ] الترمذي
وقد تقدم حديث : عثمان . "رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل"
وقد جاء عن السلف آثار فيها ذكر الثغور مثل غزة وعسقلان والإسكندرية وقزوين ونحو ذلك .
وأما الأحاديث المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعيين قزوين والإسكندرية ونحو ذلك فهي موضوعة كذب بلا ريب عند علماء الحديث ، وإن كان قد روى في سننه الحديث الذي في فضل ابن ماجه قزوين; وقد أنكر عليه العلماء ذلك ، كما أنكروا عليه رواية أحاديث أخرى بضعة عشر حديثا من الموضوعات; ولهذا نقصت مرتبة كتابه عندهم عن مرتبة أبي داود . والنسائي
وقد قدمنا كون البلد ثغرا صفة عارضة لا لازمة; فلا يمكن فيه مدح مؤبد ولا ذم مؤبد ، إلا إذا علم أنه لا يزال على تلك الصفة .
وإذا تبين ما في الرباط من الفضل; فمن الضلال ما تجد عليه أقواما ممن غرضه التقرب إلى الله والعبادة له بما يحبه ويرضاه يكون في الشام أو ما يقاربها ، فيسافر السفر الذي لا يشرع بل يكره ، ويترك ما هو مأمور به واجب أو مستحب .
مثال ذلك أن قوما يقصدون التعريف بالبيت المقدس ، فيقصدون زيارته في وقت الحج ليعرفوا به ، ويدعو [ن] المقام بالثغور التي تقاربه . [ ص: 365 ]
وهذا في غاية الضلال والجهل والحرمان من وجوه :
أحدها : أن التعريف بالبيت المقدس ليس مشروعا لا واجبا ولا مستحبا بإجماع المسلمين ، ومن اعتقد السفر إليه للتعريف قربة فهو ضال باتفاق المسلمين ، بل يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، إذ ليس السفر مشروعا للتعريف إلا للتعريف بعرفات .
وأقبح من ذلك تعريف أقوام عند بعض قبور المشايخ والأنبياء وغير ذلك من المشاهد أو السفر لذلك ، فهذا من أعظم المنكرات باتفاق المسلمين . بل تنازع السلف في تعريف الإنسان في مصره من غير سفر ، مثل أن يذهب عشية عرفة إلى مسجد بلده فيدعو الله ويذكره ، فكره ذلك طوائف; منهم أبو حنيفة وغيرهما . ورخص فيه آخرون; منهم ومالك ، قال : لأنه فعله الإمام أحمد ابن عباس بالبصرة وعمرو بن حرب بالكوفة . ومع هذا فلم يستحبه ، وكان هو نفسه لا يعرف ولا ينهى من عرف . وقد قيل عنه : إنه يستحب . أحمد