وقد أوجب الله تعالى على أهل دينه جهاد من خرج عن شيء حتى يكون الدين كله لله ، كما قال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله . فمن خرج عن بعض الدين إن كان مقدورا عليه أمر بالكلام ، فإن قبل وإلا ضرب وحبس حتى يؤدي الواجب ويترك المحرم ، فإن امتنع عن الإقرار بما جاء به الرسول أو شيء منه ضربت عنقه .
وإن كان في طائفة ممتنعة قوتلوا ، كما رضي الله عنه وسائر الصحابة مانعي الزكاة أبو بكر ، مع أنهم كانوا مقرين بالإسلام باذلين للصلوات الخمس ، حتى قال قاتل رضي الله عنه : والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على [ ص: 215 ] منعها . وكما قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومن معه من الصحابة علي بن أبي طالب الخوارج ، الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : . "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، أينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة"
وهؤلاء الخوارج الحرورية هم أول من ابتدع في الدين وخرج عن السنة والجماعة ، حتى إن أولهم خرج عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته ، وأنكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - قسمة المال ، وأنزل الله فيهم . وفي أمثالهم : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . قال وغيره : تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة . ابن عباس
فكل من خرج عن كتاب الله وسنة رسوله من سوائر الطوائف فقد وجب على المسلمين أن يدعوه إلى كتاب الله وسنة رسوله بالكلام ، فإن أجاب وإلا عاقبوه بالجلد تارة ، وبالقتل أخرى على قدر ذنبه ، وسواء كان منتسبا إلى الدين من العلماء والمشايخ أو من رؤساء الدنيا من الأمراء والوزراء ، فإن من هؤلاء فيهم الأبرار والفجار . [ ص: 216 ]
فأبرارهم هم أئمة الدين وهداة المسلمين وصالحو المجاهدين أهل الإيمان والقرآن; والحامل الناصر للإيمان والقرآن ، هم صفوة الله من عباده وخيرته من خلقه ، وموضع نظر الله إلى الأرض ، وورثة الأنبياء وخلف الرسل ، قال الله تعالى فيهم : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم .
والبشرى قد فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له ، وبالثناء الحسن من المؤمنين .
. ومر على النبي - صلى الله عليه وسلم - بجنازة فأثنوا عليها خيرا ، فقال : "وجبت وجبت" ، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا ، فقال : "وجبت وجبت" ، قالوا : يا رسول الله! ما قولك وجبت؟ قال : "هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت وجبت لها الجنة ، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت وجبت لها النار ، أنتم شهداء الله في الأرض"
. [ ص: 217 ] فمن شهد له عموم المؤمنين بالخير كان من أهل الخير ، ومن شهد له بالشر كان من أهل الشر
وهؤلاء الفجار المنتسبون إلى علم أو دين أو إمرة أو رئاسة كالذين قال الله تعالى فيهم : إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله إلى أن قال تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم وقد قال تعالى في كتابه : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : . قال "المغضوب عليهم : اليهود ، والضالين هم النصارى" : هذا حديث حسن صحيح . الترمذي
قال العلماء : كان فيه شبه من اليهود الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه ، فمن أوتي علما فلم يعمل به كان فيه شبه من النصارى الذين ابتدعوا الرهبانية وعبدوه بغير شريعة . ومن عبد الله بلا علم