وكلام السلف وأهل اللغة يدل على هذا وإن تنوعت عباراتهم .
روى ابن أبي حاتم بإسناده المعروف عن عثمان بن عطاء [ ص: 181 ] الخراساني عن أبيه في قوله : حنيفا مسلما قال : مخلصا مسلما .
قال : وروي عن مثل ذلك . وقال مقاتل بن حيان خصيف :
الحنيف المخلص .
وذكر ذلك وغيره عن الثعلبي بإسناده عن مقاتل بن سليمان أبي قتيبة البصري نعيم بن ثابت عن قال : الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم . أبي قلابة
وقال : الحنيف المستقيم . محمد بن كعب
وبإسناده المعروف عن عن سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح : مجاهد حنيفا قال : متبعا ، وقال : الحنيفية اتباع إبراهيم .
وذكره طائفة من المفسرين عن ، وروي نحو ذلك عن مجاهد . الربيع ابن أنس
قال : هو اتباع مجاهد إبراهيم فيما أتى به من الشريعة التي صار بها إماما للناس .
وقال ابن أبي طلحة عن : ابن عباس حنيفا قال : حاجا .
وقال ابن أبي حاتم : وروي عن الحسن والضحاك وعطية نحو ذلك . والسدي
ونقل طائفة عن أنه قال : إذا كان مع الحنيف المسلم فهو الحاج ، وإذا لم يكن معه فهو المسلم . [ ص: 182 ] الضحاك
وذكر ومن اتبعه الثعلبي وغيره عن كالبغوي قال : ابن عباس . قالوا : وأصله من حنف الرجل ، وهو ميل وعوج في القدم ، ومنه قيل الحنيف المائل عن الأديان إلى دين الإسلام ذلك ، لأنه كان أحنف القدم . للأحنف بن قيس
قلت : محمد ، فلا تتم الحنيفية إلا به ، وهو من ملة والحج داخل في الحنيفية من حين أوجبه الله على لسان إبراهيم ، وما زال مشروعا من عهد إبراهيم ، فحجه الأنبياء موسى ويونس وغيرهما ، وما زال مشروعا من أول الإسلام ، وإنما فرض بالمدينة في آخر الأمر بالاتفاق . والصواب أنه فرض سنة عشر أو تسع ، وقيل : سنة ست ، والأول أصح .
والله أمر محمدا وأمته أن يكونوا حنفاء ، فقال في النحل -وهي مكية- : ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ، فكان الحج إذ ذاك داخلا في الحنيفية على سبيل الاستحباب والتمام ، لا على سبيل الوجوب . وأمر الله أهل الكتاب أن يكونوا حنفاء ، ولم يكن الحج مفروضا عليهم ، بل كان مستحبا .
ومثل هذا ما رواه ابن أبي حاتم عن عن الربيع بن أنس قال : الحنيف الذي يستقبل البيت بصلاته ، ويرى حجه عليه واجبا إن استطاع إليه سبيلا . [ ص: 183 ] أبي العالية
فهذا تفسيره للحنيف بعد أن حولت القبلة إلى الكعبة وأمر الناس باستقبالها وبعد أن فرض الحج ، وإلا فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن اتبعه وهم بمكة حنفاء وهم يصلون إلى بيت المقدس لما كانوا مأمورين بذلك ، وإنما أمروا باستقبالها بالمدينة في السنة الثانية من الهجرة . وكذلك موسى ومن اتبعه والمسيح ومن اتبعه كانوا حنفاء أيضا ، وكانوا يصلون إلى بيت المقدس .
وروى ابن أبي حاتم وغيره من التفسير الثابت عن قتادة تفسير عنه قال : الحنيفية شهادة أن لا إله إلا الله ، يدخل فيها تحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وما حرم الله والختان ، وكانت حنيفية في الشرك ، وكانوا يحرمون في شركهم الأمهات وما تقدم من القرابات ، وكانوا يحجون البيت وينسكون المناسك . ابن أبي عروبة
فذكر أنها التوحيد واتباع ملة قتادة إبراهيم بتحريم ما حرم الله والختان ، وأنهم في شركهم كانوا ينتحلون الحنيفية ، فيحرمون ذوات المحارم ويحجون ويختتنون ، وهذا مما تمسكوا به من دين إبراهيم مع شركهم الذي فارقوا به أصل الحنيفية ، لكن كانوا ينتحلونها .
وكان هذا فارقا بينهم وبين المجوس ومن لا يحرم ذوات المحارم ، وبين النصارى ومن لا يرى الختان ، وبين سائر أهل الملل ممن لا يرى حج البيت . فإن الحج كان من الحنيفية ، لكن كان من مستحباتها [ ص: 184 ] لا من واجباتها .
وكذلك قال : الحنيف المسلم ، وقال غيره : إذا ذكر مع الحنيف المسلم فهو الحاج . قال أبو الحسن الأخفش : وكانوا في الجاهلية يقولون لمن اختتن وحج حنيفا ، لأن العرب لم تتمسك بشيء من دين أبو الحسن الأخفش إبراهيم غير الختان والحج ، فلما جاء الإسلام عادت الحنيفية . وقال : من عدل عن دين اليهود والنصارى فهو حنيف عند العرب . الأصمعي
قلت : ولهذا يوجد في كتب بعض أهل الكتاب من النصارى وغيرهم وفي كلامهم معاداة الحنيف ، وهم هؤلاء العرب الذين كانوا يحجون ويختتنون وهم مشركون ، فإن النصارى لا يحجون ولا يختتنون ولا يتعبدون بالختان ، بل أكثرهم ينهى عنه ، وفيهم من يختتن .