ثم قال القاضي: مسألة، فإن نص عليه في رواية أمر صاحب الوديعة بدفعها إلى [ ص: 366 ] رجل، فدفعها إليه بغير بينة، فالقول قول المودع، ابن منصور في المسألة التي قبلها.
قلت: نص أن يصدق في الإذن في الدفع وفي الدفع أيضا. أحمد
قال: وقال أيضا في فإن كان أمره بالإشهاد فلم يشهد ضمن، وإن كان لم يأمره بالإشهاد فالقول قوله، وهو قول رجل أمر رجلا أن يدفع إلى رجل ألف درهم، فدفعها، وأنكر المدفوع له أنه قبضها، وقال أبي حنيفة، مالك لا يقبل قوله في الدفع. وعلموا الخلاف في والشافعي: فالقول قول الوصي، وعندهما لا يقبل قوله إلا ببينة، واختيار الوصي إذا ادعى دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه، ولا بينة، فأنكر الصبي ذلك، ذكره في الوكيل. دليلنا إذا ادعى تسليم الوديعة إلى من يجوز الدفع إليه فكان القول قوله، دليله لو ادعى تسليمها إلى المالك فإن القول قوله، كذلك ههنا. الخرقي
إلى أن قال: واحتج المخالف بأن المالك لم يأمره بإتلافها على المالك، لأنه قد يجحد، فلا يمكن المالك أن يقيم عليه بينة، ولا يقبل الدافع، لأنه ليس بأمين في حقه، فكان مفرطا في ذلك، يلزمه الضمان بتعديه.
قلت: هذه الحجة مضمونها أنه متعد، لا أنه غير مقبول القول كما تقدم، وهذا خلاف ما صدر به المسألة. [ ص: 367 ]
ثم قال: احتج بأنه ادعى التسليم إلى من لم يأتمنه بالحفظ، فهو كما لو ادعى تسليمها إلى أجنبي. والواجب أن ضمن كذلك إذا لم يصدقه. الأجنبي لو صدقه صاحب الوديعة أنه سلم إليه
وفي مسألتنا لو صدقه أنه سلم إليه لم يضمن إذا ادعى التسليم، وله فيه حق. وأما إذا كان بحضرة المضمون عنه رجع، ولم يكن مفرطا بترك الإشهاد عندنا في الصحيح، وهذا ظاهر مذهب ومن أصحابه من قال: هو كالغيبة، فلا يرون تفريطه بالحضور، فيصير لهم في هذه المسألة ثلاثة أوجه. وكذلك ذكر الشافعي. ابن عقيل والقاضي أنه لا يرجع، وهو ظاهر كلام لأن هذا القضاء لا يترك في الظاهر بخلاف المشهود به. أبي الخطاب،
قلت: فهذا كما في "المحرر"، وفيه الفرق بين مسألة الضمان والثاني، ذكر الوجهين في القضاء في الحضور في مسألة الضمان دون مسألة الوكالة. وكذلك ذكر أبو محمد في "المغني" مثل ما ذكر المجد في كتابيه، وعلى هذا فالفرق أن يقال: إذا فقد فعل ما أمره به من غير تفريط. وكله في القضاء، ولم يأمره بالإشهاد،
أما في الضمان فهو لم يأمر الضامن بالوفاء، لكن الوفاء وجب على الضامن بحكم الضمان، فلو أذن له في الضمان فالموجب للوفاء الضمان دون الإذن، لا سيما على ظاهر المذهب للضامن الرجوع وإن ضمن بغير إذن. وكذلك من أدى عن غيره واجبا عليه، كفداء الأسير. وإذا كان الوفاء هنا حصل بإذن الشارع وإيجابه، فالمتصرف عن غيره بحكم الشرع مأمور بأن يتصرف بحسب المصلحة، بحكم التصرف بالوكالة أنه سمع الأمر. ولهذا لو لم يضمن، كما لو أمره أن يبيعه بدون ثمن المثل ليثمن قدره أو بيعه من غريم غير ملي ونحو ذلك، بخلاف من تصرف بحكم المصلحة كالولي. وأيضا من يريد أن يرجع بما قضاه عنه فهو مطلب بالبذل كالقرض، لأن وفاء المال إقراض للمدين، بخلاف الوكيل فإنه لا يرجع بشيء. وبهذا يظهر الوجه المذكور فيما إذا كان الوفاء بحضرته في الضمان دون الوكالة، لأن الوكيل يفعل عن الموكل، فسكوته رضى بذلك، والضامن يوفي عن نفسه ما وجب عليه، وهو مقرض للمدين، ومقصود هذا القرض براءة ذمته من الدين. أذن له فيما فيه ضرر [ ص: 368 ] عليه وفعله