وقد بسط الكلام على هذا في مواضع، وبين أن مثل هذا العلم والفهم الذي لا يقترن به العمل بموجبه لا يكون تاما، ولو كان تاما لاستلزم العمل، فإن التصور التام للمحبوب يستلزم حبه قطعا، والتصور التام للمخوف يوجب خوفه قطعا، فحيث حصل نوع من التصور ولم تحصل المحبة والخوف لم يكن التصور تاما.
قال بعض السلف : من عرف الله أحبه. ولهذا قال السلف:
كل من عصى الله فهو جاهل. وقال وغيره: كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا . وقيل ابن مسعود أيها العالم! للشعبي:
فقال: إنما العالم من يخشى الله . وهذا مبسوط في مواضع. [ ص: 132 ]
ولهذا قال تعالى: هدى للمتقين ، وقال: لينذر من كان حيا ، وقال: سيذكر من يخشى ، إلى أمثال ذلك.
ولهذا يجعل الرسول نفس الفقه موجبا للسعادة، كما يجعل عدمه موجبا للشقاء، ففي الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: فجعل مسمى الفقه موجبا لكونهم خيارا، وذلك يقتضي أن العمل داخل في مسمى الفقه لازم له. "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا".
وفي الصحيحين أنه قال: فمن لم يفقهه في الدين لم يرد به خيرا، "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، والدين يتناول كل ما جاء به الرسول، كما في الصحيحين لما جاء فلا يكون من أهل السعادة إلا من فقهه في الدين. جبريل في صورة أعرابي، وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، فقال: جبريل جاءكم يعلمكم دينكم". فجعل هذا كله دينا. "هذا